من القضايا التى أصبحت موسمية، مثل سؤال «هل نخرج زكاة الفطر حبوبًا أم أموالًا؟»، قضية رؤية هلال شوال، وما إذا كان يجب الالتزام بالحسابات الفلكية أم بالرؤية الشرعية. بطبيعة الحال، تثير مثل هذه القضايا اهتمام فئة من الناس تسعى دائمًا لاستغلال أى موضوع لترسيخ مفهوم خاطئ عن وجود تعارض بين العلم والدين، حتى أن أحدهم اعتبر تمسك مصر بالرؤية الشرعية إعلانًا لهزيمة العلم بالضربة القاضية. وقد أحسن مفتى الجمهورية صنعًا عندما أكد فى كلمته بمناسبة استطلاع الهلال على العلاقة الوثيقة بين العلم والشرع فى هذه المسألة. فقد أوضح أن الحسابات الفلكية تُستخدم للاستئناس بها، لكنها لا تغنى عن الرؤية الشرعية التى حددها الحديث النبوى: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته.» ولا أظن أن الفئة الساعية لترسيخ هذا الصراع المزعوم تجهل الفرق بين ميلاد الهلال، الذى تحدده الحسابات الفلكية بدقة، ورؤيته، التى قد تختلف من مكان لآخر تبعًا للظروف الجوية والجغرافية، فليس معنى أن السعودية أو الإمارات بدأت الشهر قبل مصر بيوم أنهما اعتمدتا على «الذكاء الاصطناعى» وأهملتا الرؤية الشرعية، بل ربما كانت ظروف رؤية الهلال لديهما أكثر ملاءمة. وتتأثر إمكانية رؤية الهلال بعدة عوامل، منها «عمر الهلال»، فكلما زاد عمره بعد الاقتران (المحاق) زادت فرصة رؤيته، «زاوية الاستطالة»، وهى الزاوية بين القمر والشمس كما تُرى من الأرض، ويجب أن تكون أكبر من 7 درجات لتسهيل الرؤية، و»مدة مكث الهلال بعد الغروب»، فكلما بقى القمر فى السماء بعد غروب الشمس لفترة أطول، زادت فرصة رؤيته، «موقع القمر بالنسبة للشمس»، إذ يجب أن يكون القمر قد انتقل إلى غرب الشمس عند الغروب، فإذا كان لا يزال قريبًا منها أو تحت الأفق، فلن يكون مرئيًا. بناء على ذلك، ليس من التفكير العلمى، الذى يدعى هؤلاء الالتزام به، التركيز على دولتين فقط قد تكون ظروف الرؤية فيهما مناسبة، ثم الادعاء بأنهما وظفتا العلم بينما أهملته مصر، ولو راجعوا قائمة الدول التى وافقت مصر فى بداية الشهر، لوجدوا دولًا مشهودًا لها بالتقدم العلمى، مثل أستراليا وماليزيا وإندونيسيا. الخلاصة، نحن أمام قضية شرعية يُستأنس فيها بالعلم لتحديد ميلاد الهلال وظروف رؤيته، لكن ذلك لا يغنى عن الرؤية الشرعية، فلماذا نختلق صراعًا غير موجود فى الأساس؟