بينما يبدأ مفتي الديار المصرية كلمته في حفل استطلاع هلال شهر رمضان، كان الجميع ينتظر جملته الأخيرة التي يعلن فيها نتيجة الاستطلاع، وما إذا كان اليوم التالي هو أول شهر رمضان أم متممًا لشهر شعبان. لم يعد طابع الإثارة الذى كان يحيط بتلك اللحظات موجودًا خلال السنوات العشر الأخيرة، وذلك بعد أن أصبحت الحسابات الفلكية دقيقة إلى حد كبير، بحيث لم تقتصر فقط على تحديد لحظة ميلاد هلال رمضان واحتمالات رؤيته، بل أصبحت أيضًا أداة لمعرفة موقف الرؤية الشرعية، وأصبحنا نعلم مسبقًا ما إذا كانت لجان دار الإفتاء ستتمكن من رؤية الهلال أم لا. وتعتمد بعض الدول الإسلامية، مثل تركيا، على الحسابات الفلكية فقط لتحديد بداية شهر رمضان، بينما تعتمد دول أخرى، مثل مصر والسعودية، على الجمع بين الحسابات الفلكية والرؤية الشرعية بالعين المجردة، هذا التنوع يعكس فهمًا مرنًا للشريعة الإسلامية، حيث يُستخدم العلم لدعم وتأكيد النصوص الدينية. ويتجسد دور العلم فى هذا اللقاء السنوى من خلال الحسابات الفلكية، التى تُحدد بدقة موعد الاقتران، ثم ميلاد الهلال وظروف رؤيته. ويشرح المهندس عصام جودة، رئيس الجمعية الفلكية المصرية، أن «الاقتران أو ما يُسمى ب «المحاق»، هو اللحظة التى يكون فيها القمر بين الأرض والشمس تمامًا، حيث يكون وجهه المُواجه للأرض مظلمًا تمامًا، وفى هذه اللحظة لا يمكن رؤية القمر، ويستخدم علماء الفلك برامج حاسوبية دقيقة لحساب وقت حدوث ذلك». ◄ اقرأ أيضًا | موعد استطلاع هلال رمضان 2025.. الدول العربية تعلن في هذا الموعد ويضيف: «بعد حدوث الاقتران، يبدأ القمر فى الابتعاد تدريجيًا عن الشمس وعبور خط الاقتران، ويبدأ الهلال فى التكون، ويمكن رؤية الهلال بعد حوالى 12 إلى 15 ساعة من لحظة الاقتران». وتعتمد رؤية الهلال بعد عبوره خط الاقتران، على عدة عوامل تتنبأ بها الحسابات الفلكية، وهى: زاوية الاستطالة، ارتفاع الهلال فوق الأفق، وعمره. وتشير «زاوية الاستطالة» إلى الزاوية بين الشمس والقمر كما تُرى من الأرض، وعند ولادة الهلال، يكون القمر قريبًا جدًا من الشمس فى السماء، وتكون زاوية الاستطالة صغيرة جدًا، مما يعنى أن ضوء الشمس يغمر القمر ويمنع رؤيته. وبعد بضع ساعات، يبتعد القمر تدريجيًا عن الشمس، وتزداد زاوية الاستطالة بينهما، فإذا افترضنا أن زاوية الاستطالة أصبحت 10 درجات، فهذا يعنى أن القمر الآن على بُعد 10 درجات عن الشمس فى السماء، وفى هذه المرحلة يصبح الهلال أسهل للرؤية، خاصة إذا مكث فترة كافية بعد غروب الشمس. أما «ارتفاع الهلال فوق الأفق»، فيُشير إلى مدى ارتفاع الهلال بعد غروب الشمس، فإذا وُلد الهلال «أى عبر خط الاقتران»، يبدأ ارتفاعه فى الزيادة كلما ابتعد عن الشمس بمرور الوقت، ويُعتبر الهلال مرئيًا إذا بلغ ارتفاعه بعد غروب الشمس قيمة معينة «عادةً أكثر من 5 درجات». وأخيرًا، يُقصد ب «عمر الهلال»، الفترة الزمنية التى مرت منذ لحظة الاقتران، فإذا كان عمر الهلال صغيرًا جدًا «أقل من 12 ساعة مثلًا»، فقد يكون من الصعب رؤيته لأنه سيكون قريبًا من الشمس وغير مشرق بما يكفى، وكلما زاد عمره، كلما ابتعد عن الشمس وازداد لمعانه، مما يجعله أسهل للرؤية. ويقول جودة: «يمكن للحسابات الفلكية أن تتنبأ بدقة بهذه العناصر الثلاثة «زاوية الاستطالة، ارتفاع الهلال فوق الأفق، وعمره»، وذلك قبل سنوات، فإذا أظهرت الحسابات أن زاوية الاستطالة أو الارتفاع لا تسمح برؤية الهلال، فإن الرؤية ستكون مستحيلة حتى لو حاول المراقبون ذلك، أما إذا أكدت الحسابات أن الهلال وُلد ويمكن رؤيته من منطقة معينة، يمكن الاعتماد على المراقبة فى تلك المنطقة لتأكيد الرؤية». ويضيف: أن التكامل بين الحسابات الفلكية والرؤية الشرعية، أصبح أكثر رسوخًا بعد التقدم الكبير فى علم الفلك واستخدام المعادلات الرياضية الدقيقة، وساعد هذا التقدم فى حساب ميلاد الهلال وموعد ظهوره بشكل أدق، حيث تعتمد هذه الحسابات على بيانات دقيقة لحركة الشمس والقمر والأرض، مما يتيح التنبؤ بوقت ميلاد الهلال وموقعه بالنسبة للأفق، وأصبحت هناك برامج حاسوبية متقدمة تحاكى حركة الأجرام السماوية، بما فى ذلك القمر والشمس، وتوفر نماذج دقيقة لموعد ومكان ظهور الهلال من مواقع جغرافية مختلفة. وبناءً على هذا التكامل الراسخ، فإن أول أيام شهر رمضان سيكون يوم السبت 1 مارس، لأن الحسابات الفلكية تشير إلى أن القمر سيظل بالسماء لمدة 36 دقيقة بعد غروب الشمس فى القاهرة، مما يجعل فرص رؤيته أعلى، خاصة إذا كانت الظروف الجوية ملائمة. كما أن عمر الهلال سيكون 15 ساعة و39 دقيقة، وهو عمر كافٍ لتوقع رؤية الهلال بسهولة.. وكل عام أنتم بخير. ◄ «الرؤية» بالحسابات الفلكية إمكانية الرؤية .. بالعين المجردة: أجزاء واسعة من الأمريكتين.. بالتلسكوب: غرب آسيا، معظم إفريقيا، جنوب أوروبا.