السجن الحقيقي هو سجن معنوي، يتمثل في الأفكار البالية والمفاهيم الخاطئة والتصورات المضللة التي تثقل كاهلنا، وهو سجن يتطلب هدم أسواره كفاحا مريرا هائلًا، يقضي على الوعي الزائف ليشرق الوعي الحقيقي..هذا هو ما حاول المخرج يوسف مراد منير التعبير عنه في عرض»سجن النسا»، والذي تدور أحداثه حول مجموعة من النساء السجينات كل منهن لها تجربة وقضية مستقلة عن الأخرى، والذى افتتح على مسرح السلام، احتفالا بعيد الفطر المبارك، وسط حضور كبير من الجمهور. أحداث العرض تسلط الضوء على بعض قضايا المرأة، بهدف الوقوف على مدى استيعابها لمشاكلها واهتماماتها، هذه المسرحية التي تدور حول مجموعة من النساء السجينات كل منهن لها تجربة وقضية مستقلة عن الأخرى، حيث تناولت المسرحية شرائح متعددة من النساء المسحوقات المنتهكات، ما بين المرأة القاتلة، السارقة، تاجرة المخدرات، الغارمات، وحتى الأبرياء منهن، ومن تعرضن للتحرش أو الاغتصاب وغيرهم، ومن خلال التصوير الفني للمسرحية، التي تصور الدنيا بسجن صغير يضم داخله مواقف حية للنساء، من خلال حوار حي ساخر، والبعض حوار حكي، ستتكشف لنا حقيقة بعض الأوضاع المسيطرة على المرأة في مجتمعنا، والصراع الرئيسي الغالب عليها، بين قوى الخير وقوى الشر، كل ذلك بشكل درامي غنائي، في ظل التطور التكنولوجي، وسيطرة واقتحام وسائل التواصل الاجتماعي. في البداية يقول يوسف مراد منير معد ومخرج العرض: العرض مأخوذ عن رائعة الكاتبة فتحية العسال، برؤية حديثة، نتناول من خلاله مخاطر التكنولوجيا والتيك توك، والفئات التي ما زالت غير قادرة على مواكبة هذا التطور والترندات، بالإضافة إلى خطورة التكنولوجيا عندما تتحول إلى نقمة عند سوء استخدامها، وخلال أحداث العرض نقدم أغلب مشاكل النساء الحياتية، من تحرش واغتصاب وقتل وسرقة وخيانة، النساء الغارمات، مع تسليط الضوء عليهم، فالبرغم من وجود عصر التكنولوجيا إلا أنه ما زالت هؤلاء النسوة لم تواكب هذا العصر، فنجد البطلة «ليلي» أحد أبطال العرض، رغم أنها تسكن في إحدى الكمبوندات الراقية، لكنها لا تواكب هذا العصر، وعندما تدخل هذا العصر تكتشف هذا العصر الذي لم تكن تدركه، لأن طول حياتها كل مشكلاتها أنها تريد إجراء عملية تدبيس المعدة، نظرا لوزنها الزائد وعدم تقبل زوجها لشكلها، في المقابل تجد صديقتها على تواصل دائم بوسائل التواصل الاجتماعي، ثم تدخل في هذا العالم المفتوح. ويضيف يوسف: العرض يناقش جميع مشكلات النساء بداية من الخيانة والاغتصاب، التزوير والمخدرات، والنساء الغارمات، القتل، ومن لديهم عجز في أحد الأعضاء الجسدية، مع توضيح سبب حدوث هذه المشاكل، وطرح الحلول لتجنب حدوثها، والكشف عن المجرم والبحث عن كل مظلوم ، العرض يشارك فيه 14 ممثلة، كل واحدة لها قضية داخل السجن، كل واحدة تطرح مشكلتها التى كانت سبب في دخولها السجن، ونجد في كل حدوتة من هي دخلت مدانة ومن دخلت السجن ظلم، مثل ما يحدث في الحقيقة من وجود مظلومين داخل السجن، مع ترك الحكم للجمهور بشكل صامت. ويتابع يوسف: العرض يوضح أن السجن بالنسبة للنساء هو ليس جدران، لكن السجن هو الظلام الداخلي الذين يعيشون فيه، السجن هو الحيرة والقهر، السجن هو الأفكار البالية القاسية التي تستحوذ على عقولهن، مثل مقولة «ظل راجل ولا ظل حائط»، مع أن الحائط في بعض الأحيان أفضل سند، السجن ليس جدران بقدر ما هو عقلية وتفكير وسجن معنوي قاد صاحبته إليه، أو تفكير أدى إلى اقتياد أخرى إلى السجن، وعلى الرغم من أن العرض يخاطب المجتمع بشكل عام داخل زنزانة السجن، من خلال أحداث العرض، البعض منها تم تجسيدها، وبعض المشاهد الأخرى تم حكيها، بحيث لا يشعر الجمهور بالملل، أو شعوره بالحكي. عن تقديمه هذا العرض يقول يوسف: أنا مغرم بكتابنا الكبار، وأحرص دائما على تقديم أعمال من تأليف كتاب مصريين كبار، وعندما قرأت النص شعرت به على خشبة المسرح ولمسني جدا، لأن أحداث المسرحية تعود بنا إلى عالم ما قبل السوشيال ميديا والإنترنت، ودائما ما نحلم بهذا الزمن، نادرا ما نجد الآن فتاة أو شاب بدون موبايل أو يتواصل مع أقاربه من خلال الزيارة وليس الكلام عبر الموبايل أو الانترنت، فبعد دخول الموبايل أصبح التواصل مع الأصدقاء والأسرة من خلاله، واختفي تدريجيا ملامحنا المصرية الأصيلة. ويوضح قائلا: على الرغم من كون العرض يضم 14 بطلة، إلا أني لم أوجه أية صعوبات أو مشاكل بينهن، البروفات كانت ممتعة جدا، ولم أشعر لحظة بوجود أي غيرة بينهن، جميع الشخصيات مهمة، فلا يمكن حذف شخصية أو زيادة مساحة دور عن الآخر، الجميع كانوا يعملون بكل حب وصدق حتى يخرج العرض في أفضل صورة، في الحقيقة بذلت مجهود كبير جدا وأتمنى أن ينال العرض رضاء واستحسان الجمهور والنقاد. بينما تقول بطلات العرض آية أبو زيد : أقدم في العرض دور «عدلات» من بيئة شعبية كانت متزوجة وتوفى زوجها وترك لها أطفال صغار في مراحل عمرية مختلفة، بعد وفاة زوجها عانت وتعرضت لمشاكل كثيرة بسبب صعوبات الحياة والبحث عن مصدر رزق تعول به أبنائها الصغار، إلى أن وصلت لطريق مسدود، ثم تزوجت من رجل آخر، وكان هدفها من زواجها الثاني هو حياة كريمة لها ولصغارها، ولكن كانت الصدمة الكبيرة أنها لم تجد حياة هادئة وعيشة هنية، فلم يعاملها بالحسنى، ويقوم بضربها وسبها، وضرب أطفالها، وأثناء قيام زوجها بضرب أحد أطفالها قامت بالدفاع عنه حتى قامت بقتله، وحكم عليها بالسجن المؤبد، وخلال أحداث العرض نوضح الأسباب التي دفعت عدلات لقتل زوجها. وعن رسائل العرض تضيف آية: رسائل كثيرة يحملها العرض لأن كل شخصية في المسرحية ما هي إلا حدوتة كاملة بكل تفاصيلها وأحداثها من بدايتها، مثلا شخصية عدلات مرت بظروف صعبة وقاسية هي وصغارها بعد وفاة زوجها الأول، فلجأت للزواج للمرة الثانية ليكون زوجها خير معين وسند، لكنها عاشت حياة أصعب بكثير مما كانت عليه قبل الزواج، هنا نوضح العنف والقهر الزوجي بالمرأة، تحت مسمي»أن عليها أن تتحمل لتربية الأطفال» فوصل بها الحال إلى القتل بأبشع الطرق، فلم تكتفي بقتله فقط بل قامت بتقطيعه بشكل انتقامي بسبب العنف التي تعرضت له هي وصغارها. وعن تعاونها مع المخرج يوسف مراد منير تقول آية: هذا ليس أول عمل لي مع يوسف أو مع البيت الفني للمسرح، آخر عمل كان عرض «ياسين وبهية» الذى عرض العام الماضى، وحصدت عنه جائزة أفضل ممثله دور ثاني في المهرجان القومى. بينما تقول نشوى حسن إحدى بطلات العرض: أقدم في المسرحية شخصية «إلهام» لها دور أساسي من خلال علاقتها ببطلة العرض صديقتها «ليلى» التي تقوم بتجسدها هايدي عبد الخالق، «إلهام» شريرة بشكل صعب وبدون أسباب محددة، هي تاجرة مخدرات وكانت على علاقة غير شرعية بزوج «ليلى» ، فتم وضعهم في السجن معا، فقررت أن تنتقم منها ومضايقتها، لأن ليلى شخصية طيبة وليست مجرمة ولكن دخلت السجن ظلم، ثم تتصاعد الأحداث داخل السجن وتفرض إلهام سيطرتها ونفوذها على نزلاء السجن، ويحدث صدام بينها وبين إحدى نزيلات السجن فتقوم الأخيرة بقتلها. اقرأ أيضا: صندوق مكافحة الإدمان يطلق عرضا مسرحيا لرفع الوعي بخطورة التعاطي وتضيف نشوي: بشكل عام النساء أو أغلبهن هن ضحايا سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ولكن لا يمكن إنكار أن الأشرار بشكل مطلق ليس بالضرورة أن يكونوا ضحايا للمجتمع، فليس الأشياء كما تبدو دائما، أو كما تقول أمثالنا المصرية «ياما في الحبس مظاليم» وهذه إحدى رسائل العرض، وأن السجن الحقيقي داخلنا نحن. بينما تقول ولاء الجندي إحدي البطلات: أنا سعيدة جدا بمشاركتي في العرض، هذه التجربة الأولى لي مع البيت الفني للمسرح بشكل عام ومع مسرح السلام بشكل خاص، جاءت مشاركتي في العرض من قبل المخرج يوسف مراد منير، بعد أن قام بترشيحي له الفنان محسن منصور، أقدم في العرض دور»مهلبية» وهي شخصية لطيفة جدا وهي «صبية المعلمة خوخة» داخل السجن، وهي الزراع الأيمن لها، ودائما ما ترافقها في كل مكان، لأن المعلمة هي التي قامت بتربيتها وهي بالنسبة لي كل شئ. وتضيف ولاء: السجن في العرض هو مجتمع صغير يوجد فيه جميع الفئات، لأن أغلب الشخصيات في العرض، السجن بالنسبة لهم ليس جدران ولكن هو دنيتهم وأفكارهم، مع توضيح رسائل مهمة، أن من يسلك الطريق الخطأ يكون في النهاية مسيرة السجن، ولكن بالرغم من ذلك نجد في السجن أبرياء. عرض «سجن النسا» من إنتاج فرقة المسرح الحديث برئاسة محسن منصور، التابعة للبيت الفني للمسرح برئاسة المخرج هشام عطوة، وتأليف الكاتبة فتحية العسال، وهو عمل كوميدي غنائي استعراضي، برؤية وإخراج يوسف مراد منير، وبطولة هايدي عبدالخالق، هنادي عبدالخالق، شريهان الشاذلي، نشوى حسن، آية أبو زيد، راندا جمال، صافي فهمي، ليلى مجدي، دعاء الزيدي، ليلى مراد، جنى عطوة، إيريني مجدي، ولاء الجندي، بالإضافة إلى هبة سليمان في التمثيل والغناء.