لعقود طويلة قادت الولاياتالمتحدةالأمريكية معركة طويلة من أجل تحرير التجارة العالمية، كان الاعتقاد لديها «ومعها دول الغرب المتقدمة والثرية» أن هذا هو الطريق للإبقاء على سطوتها على الاقتصاد العالمى ومضاعفة حصتها من التجارة العالمية. الآن -ومع إعلان ترامب لحرب الرسوم الجمركية- تبدأ النهاية الفعلية لعقود من تحرير التجارة، ويبدأ فاصل جديد يستعد فيه العالم كله لعودة الأسوار الجمركية والإجراءات الحمائية بصورة أو بأخرى، وتتراجع فيه «العولمة الاقتصادية» لتبدأ حروب التجارة التى ستلقى بظلالها على العالم كله. القصة وما فيها.. أن من سعوا إلى «حرية التجارة» لإبقاء سطوتهم على اقتصاد العالم، اكتشفوا أن السباق فى ظل العولمة الاقتصادية لم يكن فى صالحهم، فوجئوا «أولًا» بأن المهزومين فى الحرب العالمية الثانية «ألمانياواليابان» بنوا اقتصاديات أقوى وبسرعة هائلة، ثم فوجئوا «ثانيًا» بأن الصين التى كانت تحت الحصار الغربى حتى نصف قرن لم تعد فقط على بعد سنوات قليلة من زعامة العالم اقتصادياً وربما سياسياً، وإنما تقدم نموذجاً فى التنمية الاقتصادية مختلفاً وناجحاً بالنسبة لدول العالم الثالث التى عانت كثيراً كما عانت الصين، من الاستعمار القديم والحديث قبل أن تحقق إعجازها الاقتصادى!! وما يقوم به ترامب الآن هو -عند جزء مؤثر من صناع القرار الحقيقيين فى أمريكا- محاولة قد تكون أخيرة لإنعاش الصناعة الأمريكية واستعادة الاستثمار إليها، وإيقاف العجز فى الميزان التجارى، والاستعداد للمنافسة الحتمية مع الصين التى لا يمكن أن تربحها أمريكا «فى نظرهم» وهى تستورد نصف سياراتها وتترك للصين أن تستحوذ على صناعة الرقائق الإلكترونية وتهيمن على تجارة المعادن النادرة وتهدد شريك ترامب وأهم مستشاريه إيلون ماسك بالقضاء على سيارته الكهربائية «تسلا» واكتساح السيارات الصينية لأسواق أمريكا والعالم! الجانب الآخر من الصورة يقول إن معركة الرسوم الجمركية قد تكون أخطر مغامرات ترامب.. بالنسبة له وللولايات المتحدة كلها.. وبعيداً عن الصراع الحزبى وما تثيره شخصية ترامب من انقسامات حادة فى الداخل الأمريكى، فإن القضية هنا أن الرسوم الجمركية التى يقول ترامب إنها ستمد الميزانية الأمريكية بحوالى 600 مليار دولار سنوياً هى -فى حقيقتها- ضريبة غير مباشرة على المواطن الأمريكى الذى سيتحمل وحده هذه الرسوم. الأخطر.. هو الطريقة التى تدار بها حرب الرسوم الجمركية، والظروف التى تتم فيها.. كان الأمريكيون يستعدون لحرب تجارية ضد الصين «وربما روسيا»، فإذا بهم فى معركة ضد العالم كله «ربما باستثناء روسيا حتى الآن!!»، وإذا بالصراع يبدأ مع أقرب الحلفاء فى أوروبا وكندا، وهو ما يعنى أن تخوض الولاياتالمتحدة حربها «وحيدة» أو تتحمل الفواتير الصعبة للحرب التى تدخلها بلا حلفاء!! تخوض أمريكا حربها التجارية العظمى وهى وحيدة!! وتخوضها فى ظروف يعانى فيها العالم كله من أوضاع اقتصادية صعبة بعد أزمة كورونا وحرب أوكرانيا، ومع مخاطر ركود عالمى يتحسب له الجميع واضطرابات قد تكون خطيرة فى سلاسل التوريد العالمية.. والآن مع مخاطر أكبر، حيث تنعدم الثقة مع أوضاع غير مستقرة فى الاقتصاد الأمريكى والعالمى، ويتراجع الاستثمار الداخلى والخارجى، وتتراجع معه فرص النمو الاقتصادى حتى داخل أمريكا ويصبح الحديث عن الملايين عن فرص العمل الجديدة محل شك فى أفضل التوقعات. ويبقى الأخطر، بالنسبة لحرب ترامب.. وهو أن دول العالم لن تبقى بلا ردود فعل، وأن المنافسين الكبار يمكن أن يتعاونوا فى مواجهته، رغم خلافاتهم السابقة، ترامب نفسه سبق أن حذّر من اتفاقيات بين أوروبا وكندا لمواجهة الموقف، الآن تعلن الصين تعاونها مع اليابان وكوريا الجنوبية «أقرب حلفاء أمريكا فى آسيا» لمواجهة المخاطر على اقتصادهم، ودول أوروبا ستزيد تعاونها مع الصين لضمان الإمدادات لصناعاتها.. واليقين الأساسى فى العالم كله أن عصر حرية التجارة قد انتهى، وعلى الجميع أن يستعد لأن الكل سيتأثر بحرب قد بدأت تجارية، لكنها تعلن عن نهاية نظام عالمى بأكمله، وعن مخاض صعب لنظام قادم لن تتحدد معالمه بسهولة ولا بأثمان قليلة. بعد قرارات ترامب.. ارتفعت أسهم «ماسك» فى البورصة بنسبة كبيرة، وأصبح احتمال الركود الخطير فى اقتصاد أمريكا يتجاوز 40٪ وهذه هى المشكلة.