في قلب العاصمة المصرية، وعلى ضفاف ميدان التحرير النابض بالحياة، ينتصب المتحف المصري شامخًا كأحد أبرز رموز الحضارة المصرية القديمة. فمنذ افتتاحه في 15 نوفمبر عام 1902، في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني وتحت إشراف عالم الآثار الفرنسي الشهير جاستون ماسبيرو، لعب هذا الصرح العريق دورًا جوهريًا في حفظ وعرض تاريخ مصر الممتد لآلاف السنين. يضم المتحف أكثر من 190 ألف قطعة أثرية نادرة، منها ما يعود للعصور الفرعونية واليونانية والرومانية، ويُعد مرجعًا حيًا للتاريخ، ومقصدًا رئيسيًا للزوار من مختلف أنحاء العالم. أولاً: خلفية تاريخية لفكرة إنشاء المتحف بدأت أولى المحاولات لحماية الآثار المصرية في أوائل القرن التاسع عشر، عندما بدأت حملات التنقيب والتهريب تهدد الكنوز الأثرية بالتبديد. تنبه محمد علي باشا لهذه الظاهرة، فبدأت الدولة المصرية في إصدار قوانين لحماية الآثار، ومع تزايد الاكتشافات، برزت الحاجة إلى إنشاء مكان دائم لحفظ هذه الكنوز. اقرأ أيضا | «المتحف المصري بالقاهرة».. بوابة الحضارة التي تستقبل الزائرين يوميًا خلال عهد الخديوي إسماعيل، خصصت قاعة صغيرة في حديقة الأزبكية لعرض مجموعة من القطع الأثرية. ومع ازدياد الاكتشافات، انتقلت المقتنيات إلى قصر الجيزة، إلا أن هذه الحلول كانت مؤقتة، وفي عام 1897، وُضع حجر الأساس للمتحف الجديد بموقعه الحالي في ميدان التحرير، واستمرت الأعمال حتى عام 1902، حيث تم الافتتاح الرسمي. ثانياً: التصميم المعماري للمتحف قام بتصميم المتحف المهندس الفرنسي مارسيل دورنون على الطراز الكلاسيكي الجديد (Neo-Classical)، الذي كان شائعًا في أوروبا آنذاك. يتميز المبنى بواجهته الوردية الفريدة، وأقواسه العالية، ونوافذه المقوسة، مما يمنحه طابعًا معماريًا يجمع بين الجمال والرقي والبساطة. يتكون المبنى من طابقين، تم تخصيص الطابق الأرضي لعرض التماثيل الكبيرة والتوابيت والأعمدة، بينما خُصص الطابق العلوي للقطع الصغيرة مثل المجوهرات والمومياوات والأواني والبرديات. ثالثاً: محتويات المتحف اقرأ أيضا | a href="https://akhbarelyom.com/news/newdetails/4586919/1/%D8%A3%D8%B5%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D9%83%D8%A9-%D8%AA%D8%AA%D9%8A-%D8%B4%D9%8A%D8%B1%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85" title="أصل الحكاية| أسرار الملكة "تتي-شيري" في المتحف المصري بالتحرير"أصل الحكاية| أسرار الملكة "تتي-شيري" في المتحف المصري بالتحرير يضم المتحف أكثر من 190 ألف قطعة أثرية تمثل جميع العصور المصرية القديمة، بالإضافة إلى مقتنيات من العصرين اليوناني والروماني، نذكر منها: كنوز توت عنخ آمون: من أشهر المجموعات في المتحف، وهي تضم القناع الذهبي الشهير، والعجلات الحربية، والأسِرّة، والصناديق الذهبية، وكلها وجدت في مقبرته بوادي الملوك عام 1922. قاعة المومياوات الملكية: تضم مومياوات لملوك وملكات من العصور الفرعونية المختلفة مثل رمسيس الثاني وسقنن رع وتحتمس الثالث. التماثيل الضخمة: مثل تمثال إخناتون، وحتشبسوت، وتماثيل لأرباب مصر القديمة مثل آمون ورع. المجوهرات والأدوات اليومية: التي تبرز الحياة اليومية للمصري القديم في مجالات الزراعة والطب والتجارة. القطع اليونانية والرومانية: تشمل تماثيل وتمائم وعملات تبرز التفاعل بين الحضارة المصرية والحضارات الأخرى. رابعاً: نظام العرض داخل المتحف اقرأ أيضا | حكايات| ذكرى وضع حجر الأساس للمتحف المصري بالتحرير اعتمد المتحف على تقسيم صالات العرض حسب التسلسل الزمني للأسر الفرعونية، ما يمنح الزائر رؤية واضحة لتطور الحضارة المصرية: صالات 22، 42، 47: تُخصص للآثار الخاصة بالأسر المصرية القديمة (الدولة القديمة). صالات 22، 26: تحتوي على آثار الدولة الوسطى. صالات 3 و12: تضم مقتنيات الدولة الحديثة مثل الأسرة الثامنة عشرة والتاسعة عشرة، وهي ذروة القوة الفرعونية. كل صالة تضم تماثيل، توابيت، أوانٍ، أدوات، ونقوش تُظهر المعتقدات والفنون والتطور الاجتماعي والسياسي خلال تلك الحقبة. خامساً: دور جاستون ماسبيرو يُعد جاستون ماسبيرو أحد أبرز رواد علم المصريات، حيث كان له دور محوري في حماية الآثار المصرية من التهريب والتنقيب العشوائي. بفضل جهوده، تم توثيق آلاف القطع الأثرية، كما ساهم في تأسيس أول هيئة وطنية لرعاية الآثار. تحت إشرافه، تم ترتيب المتحف وتوثيق محتوياته بأسلوب علمي دقيق. سادساً: أهمية المتحف كمركز علمي وثقافي لم يكن المتحف مجرد قاعة عرض، بل أصبح مركزًا علميًا عالميًا لدراسة الحضارة المصرية القديمة. فقد تخرج منه عشرات من كبار علماء الآثار المصريين والأجانب، كما ساهم في تعزيز الهوية المصرية وتعريف الأجيال الجديدة بتراث أجدادهم. اقرأ أيضا | «موكب حتحور».. احتفال تراثي بعيد الفطر في المتحف المصري الكبير كما نظم المتحف معارض خارجية في أوروبا والولايات المتحدة، وشارك في مؤتمرات دولية، ما ساهم في تعزيز مكانة مصر الحضارية على الساحة العالمية. سابعاً: التحديات والتطورات الحديثة مع تزايد عدد الزوار وتراكم المقتنيات، واجه المتحف المصري تحديات تتعلق بمساحة العرض والحفاظ على القطع الأثرية. فُكر في حلول طويلة الأمد، كان أبرزها إنشاء المتحف المصري الكبير في منطقة الجيزة لنقل بعض المجموعات الضخمة إليه. رغم ذلك، تم إدخال بعض التطويرات على المتحف القديم مثل تحديث الإضاءة، وتزويده بأنظمة تأمين ومراقبة حديثة، وتحسين طرق العرض، وإنشاء مركز للترميم داخل المتحف. ثامناً: موقع المتحف ودوره السياحي يقع المتحف المصري بجوار فندق النيل هيلتون (حاليًا فندق ريتز كارلتون)، ما يجعل موقعه استراتيجيًا في قلب القاهرة. يزوره ملايين السياح سنويًا، مما يجعله أحد أهم عوامل الجذب السياحي في مصر. يتكامل موقع المتحف مع المعالم المحيطة به، مثل ميدان التحرير، ومجمع التحرير، والنيل، ما يضفي عليه طابعًا حضاريًا وسياحيًا فريدًا. منذ افتتاحه قبل أكثر من قرن، ظل المتحف المصري رمزًا للعراقة والهوية الثقافية، هو ليس فقط مستودعًا للآثار، بل مرآة تعكس روح مصر القديمة، وتوثق رحلة الإنسانية على ضفاف النيل. وبينما تستعد مصر لافتتاح متاحف جديدة أكثر حداثة، يبقى المتحف المصري في التحرير صرحًا خالدًا، وقبلة لعشاق الحضارة من كل أنحاء العالم. اقرأ أيضا | a href="https://akhbarelyom.com/news/newdetails/4587861/1/%D8%A3%D8%B5%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D9%88%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D9%83-%D8%AA%D9%88%D8%AA-%D8%B9%D9%86%D8%AE-%D8%A2%D9%85%D9%88%D9%86-%D8%AA%D8%AD%D9%81" title="أصل الحكاية| "تابوت الملك توت عنخ آمون".. تحفة فرعونية فريدة في المتحف المصري "أصل الحكاية| "تابوت الملك توت عنخ آمون".. تحفة فرعونية فريدة في المتحف المصري