تشير سورة المطففين إلى أن أعمال البشر من خير أو شر مسجلة عليهم، فى كتاب مرقوم لكن شتان بين هؤلاء وأولئك، فما أبعد الشقة بين الفجار، والأبرار، النوع الأول يقوده ما يوثقه كتابه إلى جهنم، أما النوع الثانى فيطمئنه كتابه إلى ما ينتظره من نعيم يقول سبحانه وتعالى: «كلا إن كتاب الفُجَّار لفى سجين وما أدراك سجين كتاب مرقوم ويل يومئذ للمكذبين الذين يكذبون بيوم الدين» وقد نزلت السورة الكريمة فى حال أهل المدينة حين قدمها الرسول (صلى الله عليه وسلم) وكانوا أخبث الناس كيلًا من ثم فإن توعدهم بالويل: «ويل للمطففين» مترتب على ارتكابهم نوعًا من أنواع الفجور. من ثم فإن «كلا» فى هذا السياق تفيد الردع والزجر على ما قبلها إذ كذبوا بيوم الدين فتراكم فجرهم المؤدى إلى الجحيم فيُحاسبون على أعمالهم التى لا يغفل منها شيء. ثمة كتاب يحصى أعمالهم دون استثناء يسمى «سجين» «وهو مرقوم» أى أن ما فيه لا يمكن محوه أبدًا، وقد وثق كل ما اقترفوه، مختومًا لا ينقص شيئًا مما كتب فيه، غير قابل للتزوير أو التلاعب. ويذهب الإمام محمد عبده إلى أن الوحل يُسمى فى اللغة الإثيوبية «سنجون»، وربما يكون اللفظ من استخدام عرب اليمن إذ كثرة المخالطة بينهم وبين أهل الحبشة أدخلت على قاموسها ألفاظًا من اللغة الأمهرية القديمة وهذا اللفظ استعملوه فيما يقارب الوحل. ويضيف الإمام أنه «لا يبعد أن يُقال إن الكتاب فيه أى أنه مكتوب به، أى أن الأعمال لخبثها تصور كأنها مكتوبة به ويكون معنى كون الوحل وما يقاربه كتابًا مرقومًا أن الأعمال بعد أن خطت به صار المداد القبيح كتابًا مرقومًا ويجوز أن يكون كتابًا بمعنى المكتوب ومعنى كونه فى سجين أن سجينًا هو سجل عام يحتوى على صحائف كثيرة لكل فاجر صحيفة والمجموع هو ذلك السجل العام المسمى بسجين». فى ضوء ذلك كانت العودة مرة أخرى للويل جزاء الكذب، نفيًا للحقائق لا سيما أن شر الكذب أن يبلغ الذروة حين يكون التكذيب يوم القيامة.