بعد أن شاع بين النّاس الفساد والاستغلال في البيع والشّراء، أنزل الله تعالى سورة المطفّفين متوعّدًا فيها هذا الصّنف من النّاس بالعذاب الشّديد، بقوله تعالى: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}، وسيتمّ تناول لمسات بيانيّة وتأملات في سورة المطففين في الآيات الكريمة السّابقة، فالله -سبحانه وتعالى- قال: {اكْتَالُواْ عَلَى النّاس}. ولم يقل: كالوا للنّاس، فالحرف "على" يفيد الاستعلاء، واكتالوا على النّاس، أي: تسلّطوا عليهم بالكيل، وأيضًا اكتالوا على النّاس، أي: أخذوا منهم كامل حقوقهم من الكيل وزيادة، وكالوهم، يعني: أعطوهم، ولكن مع البخس، أيّ: إذا أخذوا منهم يستوفون و"يستوفون" أخذُ كاملِ الحقوق وزيادة، وإذا أعطوهم بخسوهم، وأنقصوهم حقوقهم لتسلّطهم عليهم، ولو قال: "اكتالوا منهم" لما كان فيها تسلّط. تصوّر سورة المطفّفين قسمًا من الواقع العمليّ الذي كانت تواجهه الدّعوة في مكّة المكرّمة، إلى جانب ما كانت تهدف إليه من إيقاظ القلوب، وهزّ المشاعر، وتوجيهها إلى التّغيّر الجديد في حياة العرب خصوصًا وفي حياة الإنسانيّة عمومًا، وهو الرّسالة السّماويّة الجديدة للأرض، وما تحتوي عليه من تصوّر جديد شامل، وقد تضمّنت السّورة الكريمة موضوعات أساسيّة وهي: إعلان الحرب على المطفّفين، قال تعالى: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ}. زجر وردع الفجّار المكذّبين بيوم الدّين وتهديدهم بالويل، قال تعالى: {كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ، ....وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ}. الإخبار بجزاء الأبرار، وعلوّ مقامهم، والنّعيم المقرّر لهم، قال تعالى: {كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ}. الإخبار بما كان يناله الأبرار من الفجّار في الدّنيا الزّائلة، وبالمقابل ما آل إليه الفجّار والأبرار في عالم الحقيقة الأبديّ، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ..... فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ}.