يؤكد الشيخ أبو بكر مورى دكورى مفتى ليبيريا- تلك الدولة التى تقع فى غرب إفريقيا ويشكل المسلمون فيها نسبة 12%- أهمية وحدة الصف كمطلب دينى، لتحقيق التكامل بين جميع المسلمين، مشيدا بجهود الأزهر الشريف فى تمهيد الطريق نحو التضامن الإسلامي، ويشير فى حواره لجريدة «الأخبار» إلى أن الاعتراف بالتعددية وحقوق المواطنة يضمن نشر التسامح ويقوى المجتمعات، ويشدد على أهمية أن تكون الفتوى بناءة لا هدامة، بعيدة عن كل ما يثير الفتن، فهى توقيع عن رب العالمين الذى لا يريد لعباده إلا كل ما فيه خير.. اقرأ أيضًا| قنا تناقش تعزيز وعي الشباب لمواجهة الأفكار الهدامة دستور القبلة ونداء القبلة جهد للأزهر الشريف لتوحيد الأمة..حدثنا عن رؤيتكم له؟ إن توحيد الصف الإسلامى مطلب دينى ووسيلة شرعية لقضاء الحاجات وتفادى الأزمات؛ لذا أمر الله تعالى بالتجمع على الاعتصام بحبله المتين فقال عز من قائل : (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا)، ففى وحدة الصف التكامل والتضافر، وفى الاختلاف والتنازع ضعف وتشاجر قال تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)؛ لذا فإننا نشيد بجهود كل من سعى إلى إحياء التراث التعاونى وتمهيد الطريق نحو التضامن الإسلامى، الذى يمتاز بعدم الاكتراث بالفروق العرقية والقبلية أو أى انتماء جهوى، بل لم يضع أمام المسلمين إلا معيارالتقوى؛ فجهود الأزهر الشريف تستحق الإشادة والمؤازرة ولا غرو فى أن يتصدر الأزهر هذه المساعى الحميدة لأنه من أقدم المؤسسات الإسلامية القائمة على أرض الواقع. اتحاد المسلمين واجب وهو أمر إلهى وهو أوجب فى ظل عالم أصبح لا يعترف -إلا ما رحم ربى- إلا بلغة القوة.. كيف يمكن تحقيق ذلك؟ نرى الاستعانة بالله تعالى أولا؛ ثم بذل الجهود والتغاضى عن النعرات القبلية والتحرر من كل فكرة تتبنى التكفير العارى من الضوابط، مع تربية الأجيال على مبدأ التسامح وإرساء قواعد التعايش السلمى، قال الإمام الطحاوى رحمه الله: «ونرى الجماعة حقا وصوابا والفرقة زيغا وعذابا» . اقرأ أيضًا| الشيخ أحمد تميم المراغي: مصر ستظل منارة التلاوة بالعالم الإسلامي إن التعددية حقيقة يجب قبولها والتعامل معها يحتاج إلى حكمة تدعو إلى الاعتراف بوجود الآخر وأحقيته كحقوق المواطنة سواء كانت أغلبية أو أقلية، فما ثبت فى العرف يجب الاعتراف به ما لم يصطدم بأى من الثوابت الشرعية، فالمعروف عرفا، كالمشروط شرطا. ونرى كذلك نشر وعى فقه العلاقات بحيث يربى المجتمع على السمع والطاعة لولاة الأمور وعدم الخروج عليهم، قال عليه الصلاة والسلام (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم تسمع وتطيع الأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع)، فإن عدم الخروج على الأئمة والسلاطين وسيلة للحفاظ على وحدة الصف وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب يقول الإمام الطحاوى رحمه الله تعالى: «ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا»، وأما وقوع الاختلاف بين أهل القبلة فى بعض النقاط (عقدية أو فرعية) فمعجزة من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: (إنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين) وفى حديث آخر: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة). عانت المجتمعات المسلمة من الخلافات المذهبية ودفعت ثمن التفرق واضحا.. فكيف يمكن الحد من مخاطرها؟ يجب الاقتداء والتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه قال بعد غزوة أحد :(فلا يصلين العصر إلا فى بنى قريظة)، فأدرك بعضهم العصر فى الطريق فقال بعضهم: لا نصلى حتى نأتيهم، وقال بعضهم: بل نصلى لم يرد منا ذلك، فذكر ذلك للنبى عليه الصلاة والسلام، فلم يخطئ واحدا منهم. وعلى الرغم من كفر المنافقين وإيذائهم لرسول الله فإن رسول الله أقرهم على البقاء فى المجتمع المسلم وأقر لهم التعايش السلمى. الفتوى دور مهم فى تدعيم الاستقرار والسلم الوطنى والعالمى بمحاربة أفكار المتشددين؟ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على درجة عالية من القيم الأخلاقية فى لياقة تصرفاته، ومناسبة كلماته وحرصه على رعاية الأمانة بالصدع بما يؤمر والإعراض عن الجاهلين مع خفض الجناح، فقد جمع بين كل ذلك حتى قال الله تعالى فى الثناء عليه: (وإنك لعلى خلق عظيم)، ولا شك أن الفتيا توقيع عن رب العالمين وإرث الأنبياء، هذا إلى جانب وجوب أن تكون الفتاوى بناءة لا هدامة، فابن عباس رضى الله عنه ما تباينت فتاويه فى توبة القائل -كما فى مقدمة المجموع للنووى رحمه الله- إلا لتكون الفتيا داعية إلى السلم والتسامح والمرونة، فالتحرز من الكلمات النابية من سباب أو تعيير وتنقية الخطاب الدينى من مثيرات الفتن والتنطع المقيت أمر فى غاية الأهمية، فنرى على المسلمين عامة وعلى الدعاة خاصة وجوب التخلق بها ابتغاء وجه الله، ورغبة فى رفقة النبى صلى الله عليه وسلم القائل: «أقربكم منى مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا»، فتحرى النبى صلى الله عليه وسلم اتقاء الشر فى مخاطبة من قال فيه: (بئس ابن العشيرة) هدى يجب الالتزام فى الخطاب الدينى فإنه درب موصل للغاية. اقرأ أيضًا| «البحوث الإسلامية» يكشف موعد اختبارات المتقدمين لعضوية لجنة مراجعة المصحف النفس البشرية وحمايتها هدف أساسى لمقاصد التشريع.. حدثنا عن ذلك؟ خلق الله الإنسان مكرما قال تعالى: (ولقد كرمنا بنى آدم)، وفى القول المشهور: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتم أحرارا»، فللإنسان حق فى أن يحترم فى حدود أحقيته، بحيث لا يؤدى احترام أى إنسان إلى القدح باحترام الخالق «فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق»، ومن الحقوق الأساسية الكليات الخمس: الدين والنفس والعقل والنسل والمال. وأما الحرية فيجب توفيرها على ألا توصل إلى انتهاك حرمات الله، وأهم الحريات، التى يجب توفيرها حرية التبليغ عن الله بالحكمة والموعظة الحسنة وتوفير الضروريات كلها للمخالف، فأحكام المستجير والمعاهد وأهل الذمة سنن يجب إحياؤها ليبرز جمال الإسلام ويخرج من قفص الاتهام. تقييمكم لجهود مجلس حكماء المسلمين؟ تلك الجهود التى بذلت فى تأسيس المجلس مباركة تثلج القلوب أهدافه يستحق القائمون عليه الشكر والتقدير والدعاء لهم بالتوفيق من الله غير أننا نرى أهمية السعى الدءوب لتطوير تلك الجهود للتأسى بالنبى محمد صلى الله عليه وسلم وبمن سلف من الأمة فى فهم النصوص وبذل الوسع المتاح الممكن فى حماية الشباب من التورط فى أفكار الغلو والتطرف والزيغ والإلحاد، مع ضرورة اعتبار العرف العالمى المعاصر جديرا بأن يوضع فى الحسبان، فالمعروف عرفا كالمشروط شرطا، وعلى الرغم من أننى لا أعلم الكثير عن إنجازات المجلس فإنى أشيد بالقائمين عليه، وأقترح أمورا تالية: أولا تنظيمية بأن نخرج أنشطة المجلس من حيز المركزية إلى نمط اللامركزية؛ لتتم الفائدة وينتشر الوعى، ثانيا منهجية بأن توجه خطابات المعالجة للموضوع من غير التصريح بالأسماء فمثلا نكتفى بذكر مناقب الصحابة والتحذير من سبهم والنيل منهم من غير اسم ذكر جهات مخالفة، كذلك الاستمرارية والتجدد. أنصفت الشريعة الإسلامية المرأة وأبرزت دورها وأعطتها حقوقها.. لكن هناك تراجعا فى بعض المجتمعات.. كيف يمكن إعادة هذا الدور؟ أولت تعاليم الإسلام السمحة اهتماما خاصا بشئون المرأة، وذلك أن الله عظّم رسوله صلى الله عليه وسلم فجعله رحمة للعالمين (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وجعل القرآن المنزل مهيمنا على الكتب السابقة فحوى ما تحتاجه الإنسانية فى الحال والمآل (ما فرطنا فى الكتاب من شىء). حيث أعطى الإسلام المرأة جميع الحقوق الأساسية فأوقف الإسلام وأد البنات وإكراه الفتيات على البغاء وشرع استئذانهن واستئمارهن عند التزويج وعلى الرغم من كون الحياة تمتعا مشتركا بين الزوجين إلا أن الشارع فرض أحقيتها فى تسلم الصداق والمهر المفروض على الزوج إعطاؤه فى بداية الحياة الزوجية وأوجب على الزوج توفير الكساء والغذاء طيلة الحياة الزوجية لها ومنح لها الخلع فى حالة شعورها بعدم الرضا باستمرار الحياة الزوجية. كما أن الشارع أعطاها الحرية فيما تفعل بعد نهاية عدة الوفاة أو عدة الطلاق والخلع. وقرر الإسلام أن الإثابة على الأعمال الصالحات ليست حكرا على الرجال بل على النوعين: «من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة..». وقد شاركت الصحابيات فى تمريض الغزاة يوم بدر وكان رأى أم المؤمنين أم سلمة هو المخرج من مأزق يوم الحديبية والحجاب الإسلامى حفاظا على كرامة المرأة وحيائها، ومع أن الله الخالق اختص بمميزات والذكر كذلك وليس الذكر كالأنثى لا فى فيسولوجيتها ولا فى عقلها فإن الشارع لذلك راعى ذلك فى توزيع المهام الأسرية فخولها مسئولية التربية التى هى أشرف المسئوليات وأخطرها وتلك المسئولية لا يناسبها ويلائمها إلا القرار فى البيوت وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وفى هذا العصر يجب إعادة النظر فى نظم التخطيط الوطنية فتسلط النساء على مسئوليات تلائمهن قدر الإمكان وما لا بد فيه الاختلاط الطفيف العابر فنرى التغاضى عنه واعتباره ضرورة عالمية والضرورات تبيح المحظورات. الذكاء الاصطناعى بدأ يدخل فى كل المجالات ومنها الفتوى.. ما رؤيتكم لاستخدامه والمحاذير أو الضوابط فى هذا الباب الجديد؟ الذكاء الاصطناعى تطور فى التواصل إذا أحسن استخدامه فهو كغيره من التطورات يحتوى على المصلحة والمفسدة، بناء على طرق الاستخدام والغاية منها وعليه نرى التريث فى الحكم عليه حسب ما فيه من المفسدة، وفى ذلك نرى أن نوصى بإتاحة فرص التدريب على الذكاء الاصطناعى؛ ليمكن تسخيره للمصالح، ودرء المفاسد فإن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.