تعد الانتخابات التشريعية الأخيرة في ألمانيا نقطة تحول فاصلة في تحديد سياسات جديدة للبلاد، برئاسة المستشار الألماني المنتخب فريدريش ميرتس، الذي يشارك حاليًا في التشاور فيما يعرف ب"مفاوضات الائتلاف" بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي والاتحاد الديمقراطي المسيحي، من خلال تشكيل 16 مجموعة عمل تضم 256 سياسياً من التحالف المسيحي، والحزب الاشتراكي الديمقراطي لمناقشة تفاصيل الاتفاق المبدئي لتشكيل حكومة ائتلافية، للخروج بمسودة اتفاق الائتلاف للأربع سنوات المقبلة. وتركز مسودة الاتفاق علي قضايا حيوية مثل الاقتصاد والصناعة والميزانية والدفاع والمالية والنقل والبنية التحتية العمل والشؤون الاجتماعية والهجرة والاندماج والمناخ والطاقة . وتشكل السياسات الجديدة لألمانيا تحولًا تاريخيًا لها منذ الحرب العالمية الثانية بعد سنوات من قلة الاستثمار والتردد في السياسة الدفاعية الألمانية، وإعادة تصور جذري لدور الأمن الأوروبي والعالمي في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة توترًا على خلفية الخلافات حول الحرب الأوكرانية والرسوم الجمركية . ويتزامن هذا التحول مع مطالبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرًا أعضاء حلف الناتو إلى إنفاق ما لا يقل عن 5% من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، وهى نسبة أعلى بكثير مما تنفقه الولاياتالمتحدة نفسها، وألمح أن واشنطن قد تتجاهل بند الدفاع الجماعي المنصوص عليه في المادة الخامسة من المعاهدة التأسيسية لحلف الناتو، رافضةً مساعدة الحلفاء الذين لا يحققون أهدافه في الإنفاق مما دفع خطابه هذا إلى تغيير في السياسية الدفاعية لألمانيا. وفي هذا الاطار، تستعد ألمانيا لإطلاق أكثر مبادراتها طموحًا للإنفاق الدفاعي، بعد أن أقر المشرعون الخطط التي كشف عنها فريدريش ميرتس، المستشار الألماني لتعزيز الميزانية العسكرية للبلاد بشكل كبير. وقد وافق البونستاج على حزمة إنفاق بقيمة تريليون يورو، تُلغي فعليًا إجراءً قائمًا منذ عقود يُسمى "كبح الديون" في قوانين البلاد، والذي حدّ من الإنفاق العسكري إلى أقل من 1% من الناتج المحلي الإجمالي، ويتضمن التشريع الجديد أحكامًا لاستثمار 500 مليار يورو في البنية التحتية على مدى 12 عامًا، بهدف دعم اقتصاد البلاد المتعثر. وهناك عنصر هام في خطة الاتفاق الجديدة وهي تقديم مساعدات عسكرية إضافية لأوكرانيا بقيمة 3 مليارات يورو، والتي تشمل تسليم أنظمة الدفاع الجوي وصواريخ باتريوت ودبابات ليوبادر. وتشكل قضية المناخ أولوية للحكومة الألمانية الجديدة حيث توصل ميرتس إلى اتفاق حاسم بشأن صندوق البنية التحتية بقيمة 500 مليار يورو، الذي اقترحته حكومته الائتلافية المحتملة، من خلال الوعد بتخصيص خمس المبلغ للعمل المناخي بما يساوي 100 مليار يورو لصالح صندوق المناخ والتحول في البلاد. وعلاوة علي ذلك وافق الحزب الاشتراكي الديمقراطي والحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي على تبني سياسة أكثر صرامة تجاه الهجرة في أعقاب أفضل أداء لليمين المتطرف في الانتخابات الوطنية منذ الحرب العالمية الثانية، والتي تشمل زيادة هائلة في سعة احتجاز المهاجرين في انتظار الترحيل، وتعليق لم شمل الأسرة للمهاجرين لمدة عامين، وتوسيع قائمة الدول الآمنة التي يمكن إعادة المهاجرين إليها لتشمل الجزائر والهند والمغرب وتونس، وإدخال قواعد لترحيل المهاجرين الذين يواجهون أحكامًا بالسجن، وإلغاء المساعدة القانونية الإلزامية قبل الإعادة إلى الوطن. اقرأ أيضا: ميرز يقود «ألمانيا جديدة».. خطة ضخمة لإحياء الاقتصاد ومواجهة تحديات عصر ترامب