■ كتب: محمد نور التسول أو «الشحاذة» في مصر جريمة تنخر في عظم المجتمع، كما أنها من القضايا الاجتماعية الملحة، التي تحتاج وقفة، وتضافرا لكل الجهود للحد منها، فوفقا للتقديرات، يتراوح عدد المتسولين في البلاد ما بين 45 ل50 ألف متسول، مما يجعل مصر تحتل المرتبة الثانية عربيًا بعد المغرب في أعداد المتسولين، وتأتي العاصمة القاهرة، لتتصدر محافظات الجمهورية في أعداد المتسولين حيث يبلغ عدد المتسولين بها نحو 15 ألف متسول، تليها الإسكندرية بنحو 9 آلاف متسول، وتزدهر ظاهرة «التسول» في موسم الأعياد وخصوصاً عقب الانتهاء من أداء صلاة العيد. يُجرم القانون المصري التسول، فالمادة الثالثة بقانون العقوبات تنص على معاقبة المتسول بالحبس لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، خاصة إذا تصنع الإصابة بجروح أو عاهات أو استخدم أى وسيلة أخرى من وسائل الغش لاكتساب عطف الناس، كما توجد مقترحات لتشديد العقوبات على من يستغل الأطفال فى التسول وسط مساع للحكومة لمكافحة الظاهرة. أساليب ومفارقات التسول أو «الشحاذة» تتم بطرق وعجائب وفنون يستخدمها البعض، للحصول على المال حتى أصبحت عند البعض إدماناً، فنرى متسولين شديدى الإلحاح، لا يتركون المارة حتى يعطوهم، لدرجة أن أحد المتسولين قد يلتصق بسيارة أحد الأشخاص، وهى تسير ويظل ممسكًا بها حتى يحصل على المال، وهناك سيدات يجلسن أمام المساجد الكبرى ينتظرن خروج المصلين من المسجد، ويسرن وراءهم ويمسكن بملابسهم بإلحاح شديد حتى يحصلن منهم على المال. ◄ إدمان التسول المثير للدهشة والاستغراب، وجود متسولين جمعوا ثروات وصلت لملايين الجنيهات من التسول، لكنهم أدمنوا «الشحاذة»، التي باتت تسري في عروقهم ودمهم. ووفقا لدراسة أجراها المركز القومى للبحوث، فالتسول تحول لمهنة سهلة يحترفها البعض من أجل جمع المال دون عناء أو بذل جهد، وليس كل متسول يقع في دائرة الضائقة المالية والعوز لكنهم يصفونها بالشغل، وأخطر ما فى أشكال التسول هو اعتماده كأسلوب حياة لدى البعض. ظاهرة التسول تنشط بشكل كبير خلال مواسم الأعياد والمناسبات الدينية، الأمر الذى يتطلب التصدى لهذه الظاهرة. فكما يقول الدكتور محمود زكى جابر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان، إن التسول فى مصر تحول لظاهرة منتشرة على نطاق واسع وبطرق وأساليب مبتكرة وأشكال مختلفة، ورغم أنها ظاهرة قديمة، وكانت تمارس من بعض الشرائح والفئات الاجتماعية المعدومة اقتصاديا أو من بعض الفئات التى تعانى أمراضا معينة أو ذوى الاحتياجات الخاصة، إلا أنها أصبحت حاليا مهنة وحرفة لمن يرغبها، حيث انضمت إليها فئات جديدة، تُخالف ما كان سائداً منذ سنوات، وأصبحت تشمل فئات وشرائح عمرية جديدة من الجنسين، مُضيفًا أنه إذا نظرنا لهذه الظاهرة سنجد لها أبعادا مختلفة ومتنوعة من النواحى الاجتماعية، والاقتصادية، والقانونية، وأيضًا الأخلاقية. مُشيرًا إلى أن مصر من الدول التى تعانى زيادة بأعداد المتسولين من عام لآخر. ◄ اقرأ أيضًا | «الداخلية» تحرر 21 ألف قضية تسول خلال شهر ◄ أشكال ووسائل ولفت زكى، إلى أن ظاهرة التسول من الظواهر الأكثر تعقيدًا وتشابكًا، بسبب تعدد أشكال ووسائل التسول، ورغم وجود قانون لمكافحة التسول، إلا أن تطبيقه على أرض الواقع لم يتعد سوى إنذار، ولم يؤد لمُعالجة، تلك الظاهرة من جذورها، وبشكل رادع، لذلك يجب إعادة النظر فى صياغة تشريعات وقوانين التسول لتكون أكثر صرامة، وأشد ردعًا. منوهًا إلى وجود مُسببات كثيرة لهذه الظاهرة منها الفقر، والجهل، وقد تكون فى بعض الأحيان ميراث ثقافة مُجتمعية من التواكل والتكاسل. ◄ تسول وبلطجة الدكتور عبد الناصر عطايا، أستاذ أصول التربية بجامعة الأزهر، يرى أن التسول أحد أخطر الظواهر الاجتماعية، التى تنتشر فى مجتمعاتنا، خاصة فى ظل حالة عدم الاستقرار الاقتصادى والاجتماعى، مُشيرًا لوجود بعض المتسولين، الذين يقومون ببيع بضاعتهم بأسلوب البلطجة، وفرض الإتاوات، فهؤلاء يستسهلون كسب المال بهذه الأساليب، موضحًا أنه صادف بعض القصص والحكايات لأشخاص، يستخدمون أساليب وطرقا للتسول غريبة للغاية، منها أن إحدى بائعات المناديل تجمع 500 جنيه فى اليوم الواحد، وفى ذات مرة اشتكت أنها لم تحقق إلا 350 جنيهًا فقط، كما أنه التقى طفلا لا يتعدى ال11عامًا يستخدم مبخرة كأداة للتسول، ويحقق مكسبًا يوميًا من 150 ل250 جنيهًا، لافتًا إلى أن التسول ظاهرة موجودة فى دول العالم المتقدمة والفقيرة لكن بأساليب مختلفة، ففى بعض الدول الأوروبية يعزف المتسولون على آلة الجيتار، أو ينشدون الأغانى للمارة، أما بمصر وبعض الدول العربية، فنجد المتسول يستخدم الطرق والأساليب المباشرة، وأبرزها طلب الإكراميات، فنلاحظ مثلًا عمال النظافة، الذين نُقابلهم بشكل يومى فى الشوارع والطرقات، وكأنهم ينظفون المكان مُرددين عبارات الترحيب والاستجداء. ◄ ضد الكرامة وعن موقف الإسلام من التسول، يؤكد الشيخ مصطفى عبد الهادى، من علماء الأزهر، أن الإسلام حرص على حفظ الكرامة الإنسانية، وصون الإنسان نفسه عن الابتذال، والتعرض للإهانات والوقوف بمواقف الذل والهوان، حيث حذّر من التعرض للتسول الذى يتنافى مع كرامة الإنسان، التى خصها الله تعالى له، كما ورد فى قوله تعالى «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ»، إضافة إلى أن الإسلام حرّم المسألة على كل مَن يملك ما يُغنيه عنها من مال أو قدرة على العيش وجلب الرزق.