كان لنا أساتذة كبار يفرحون بنجاحاتنا ويصوبون أخطاءنا ويشيدون بما قدمناه من نجاحات وعلى رأسهم: موسى صبرى وإسماعيل يونس وصبرى غنيم يجب أن نعترف أن هناك تحسناً واضحاً فى تأمين المستشفيات العامة داخل مصر، فلم يعد هناك حوادث التطاول والبلطجة التى كانت تتم بشكل دورى ولافت على الأطقم الطبية، وذلك يعود فى تقديرى الى عدة أسباب منها: العقوبات على المعتدين والتعامل بجدية مع مثل هذه الاعتداءات إذ كان بعض ضعاف النفوس يستغلون أن معهم مريضا لكى يتطاولوا على الأطقم الطبية باعتبار ان الأطباء وأعضاء هيئة التمريض ماهم إلا عبيد إحسانهم. من ناحية أخرى، فإن وزارة الداخلية قد وفرت حماية أمنية للمستشفيات، كما لم يعد الأطباء المُعتدى عليهم يقبلون بالتصالح مع المعتدين، وكانت هذه الاعتداءات تمثل إهانة من المعتدين للمصريين الذين أطلقوا على الطبيب لقب «الحكيم» احتراما وتقديرا. ثم جاء جيل لا يقيم الاحترام ولا التقدير بل يتطاول وهو يدرك أن الطبيب لن يتخذ الإجراءات القانونية وأنه سوف يفلت بعدوانه، لكن مع تكرار الظاهرة أصبحت أجهزة الأمن نفسها حريصة على معاقبة كل من يتطاول على الهيئة الطبية، أياما كان مركزه، وهذا فى تقديرى هو السبب فى اختفاء الظاهرة البغيضة. دار حوار بينى وبين أحد أصدقائى من كبار الأطباء عندما كنت أحكى له واقعة اعتداء شهيرة حدثت فى العام 1976 قمت بتغطيتها صحفياً وتعتبر درساً فى التغطية الصحفية، لأنها تمت تحت إشراف استاذى العظيم موسى صبرى، والموهوب إسماعيل يونس نائب رئيس تحرير الأخبار. قصة الاعتداء بدأت بتلقى استغاثة من المدير الإدارى للمستشفى الجامعى الكبير يوم 24 يونيو 1976 حيث حضر مواطن الى الاستقبال بالمستشفى وكان فى حالة تناول برشام وتصرفاته غير طبيعية وطلب أن يربط ذراعه الذى لم تكن به أية اصابات وأخرج مطواة هدد بها الحاضرين بعد أن قاموا بربط ذراعه، وخرج ثم عاد ومعه مجموعة من البلطجية الذين هددوا الجميع ثم وضعوا المطواة على صدر الدكتور شوقى الكيلانى الذى قام بالكشف عليه مرة ثانية، تحت تهديد المطواة والسماعة ترتعش فى يده، مما جعل الحكيمة سميرة إسماعيل تقفز من نافذة الاستقبال بالدور الأول الساعة الثانية صباحاً حافية القدمين وبعد نصف ساعة عاد أحد البلطجية ويحمل مطواة قائلا: من الذى أبلغ الشرطة فلم يرد أحد خوفاً على حياته. تكررت حوادث الاعتداء على الفريق الطبى بالاستقبال بل وداخل اقسام المستشفى بصورة مرعبة حاول الأطباء طلب من مديرية الأمن بتعيين حراسة إلا أنهم فشلوا فى تحقيق الاستجابة لطلبهم، وأثناء ذلك حدث اعتداء من عدد من البلطجية وتلقيت اتصالا تليفونياً من المدير الإدارى بالمستشفى الساعة الثانية صباحا وتوجهت الى المستشفى ومعى زميلى المصور مصطفى عطية وكان المشهد يدعو للدهشة والفزع بلطجية تفوح منهم رائحة الخمر والبرشام وألفاظ بذيئة وقذرة ونقلت الصورة كما هى وشهادات للأطباء والممرضين وبعض المواطنين الذين تواجدوا لحظة الحادث.. وفور صدور الجريدة واطلاع الأجهزة الأمنية على ما جاء بالأخبار انتقلت قوة من كبار رجال الشرطة وتم القبض على المجرمين، وفى ظهر نفس اليوم اكتشفت سرقة جميع آلات عيادة العظام!. فور صدور الجريدة حاول الأمن تكذيب ما تم نشره فاذا بالأستاذ موسى صبرى رئيس التحرير يرسل ورقة صغيرة كتب عليها: الأخ الأستاذ إسماعيل يونس التكذيب يجب ان يكون من كل من د. نبيل يونس مدير المستشفى ود. اسحاق عبدالعال ود. سعيد غنيم ود. شوقى الكيلانى، خاصة أنه قد ورد فى التحقيق الذى نشر تاريخ آخر فى العام 1974 حدثت فيه اعتداءات إلى جانب الحادث الذى وقع فى العام يونيو 1976 ونشر التاريخ كان للتأكيد على استمرار الإعتداءات رد الأستاذ إسماعيل يونس على تأشيرة الاستاذ موسى صبرى كالآتى: السيد الأستاذ موسى صبرى رئيس التحرير ◄ بعد التحية كانت الأخبار قد نشرت تحقيقاً عن عصابات البلطجية فى مستشفى الحسين قام بإعداده المحرر محمد الشماع بعد أن تلقيت استغاثه من أطباء المستشفى فى الثانية صباحا. وعقب نشر التحقيق الناجح.. جرت مساءلة لمدير أمن القاهرة فى المجلس الشعبى وحاول تكذيب التحقيق فتكونت لجنة من المجلس للتحقيق فى الموضوع.. ثم قامت مديرية أمن القاهرة بمحاولات ضغط على الاطباء والحكيمات بالمستشفى الذين وردت أسماؤهم بالموضوع لعمل تحقيق تليفزيونى لتكذيب الأخبار فى التليفزيون إلا أنهم رفضوا.. فقام مدير الأمن بنفسه بالتكذيب فى أحد البرامج. ووصلت محاولات ضغط المديرية الى أنهم ذهبوا لوالد حكيمة كتبت إنها ضربت علقة من البلطجية لتكذب الحادث أمام التليفزيون. ولكنها رفضت ورفض والدها بل ومنعها من الذهاب للعمل خوفاً على حياتها وعرضها. ومرفق به مجموعة من الخطابات من المستشفى موجهة لرئيس تحرير الأخبار للحادث ورداً على تكذيب التليفزيون. وأرى نشر مجموعة الخطابات مختصرة فى باب الى المحرر وهى بخطهم قدموها بأنفسهم الى المحرر محمد الشماع.. وذلك لصالح الجريدة. ◄ وشكراً .. إسماعيل يونس مناخ العمل فى مؤسسة أخبار اليوم يتسم بالحب وروح العائلة الجميع يعمل فى تحقيق أهداف المؤسسة بروح الفريق الواحد، لذلك كان اساتذتنا الكبار يطلقون على المؤسسة «دار أخبار اليوم» لأن هذه الروح هى السائده وكان الكل سعيداً بنجاحات المؤسسة وإصداراتها وتفوقها مهنيا والتوزيع الذى تخطى المليون نسخة وكان عندما يلحظ أحد خبراً أو واقعة تصلح ان تكون خبرا أو موضوعا صحفيا أو قصة انسانية سواء كان صحفيا أو إدارياً أو عاملاً بالدار يبلغ ذلك فوراً لصالة التحرير حتى أتذكر أننى فى الكثير من الموضوعات التى كنت أغطيها سواء فى الحوادث أو الانتخابات أو أى أحداث ميدانية كان زملائى من المصورين والسائقين يقومون بالعمل كصحفيين ويجمعون المعلومات من قلب الحدث أو الصور أو يشيرون الى بمعلومات يجب ان يتضمنها التحقيق الصحفى أو القصة الصحفية التى ذهبنا الى تغطيتها. ◄ موعد في المساء فى أحد أيام صيف العام 1976 كانت إحدى الزميلات مخطوبة لطبيب شاب فى الإسعاف وأثناء اتصال تليفونى علمت منه أن ضحايا الغزو الليبى من المواطنين السودانيين المصابين تقرر علاجهم فى مستشفى المعادي.. وبناء على ذلك تم إلغاء لقاء الخاطبين كلفنى الأستاذ إسماعيل يونس نائب رئيس التحرير وكذلك الزميل مكرم جاد الكريم المصور الشهير والزميلة صاحبة الخبر بالتوجه فورا الى مستشفى المعادي.. بعد الحصول على تصريح خاص من الفريق أول عبدالغنى الجمسى وزير الحربية بدخول المستشفى وإجراء حوار مع المصابين واعدادنا تحقيقا مصوراً تناولته وكالات الأنباء العالمية نقلا عن جريدة الأخبار القاهرية نقلت فيها لها ما وقع من أحداث والأسباب لهذا الغزو والضحايا والخسائر الرهيبة التى خلفها الغزو!!. وكانت خبطة صحفية كبيرة بلغة الصحافة، حققتها «الأخبار» اسعدت أبناء الدار مما دفع أستاذنا صبرى غنيم الصحفى والكاتب الكبير إلى أن يعبر عن فرحته وفرحة فريق العمل أن يكتب «تلكس» الى استاذنا العظيم موسى صبرى الذى كان متواجدا خارج القاهرة وقت الحادث.. وذلك لكى يشيد بما قدمناه من عمل صحفى ممتاز وروح الفريق الذى يعمل بحماس وانتماء للمؤسسة وذلك فى برقية عاجلة جداً جاء فيها: عاجل جدًا ◄ أستاذى الأستاذ موسى صبري صباح الخير انفردت «الأخبار» صباح اليوم الخميس وفى طبعة عاجلة بعد الواحدة صباحا بتحقيق صحفى ممتاز حيث قدمت الزميلة مهجة دسوقى محررة تحت التمرين. خبراً عن وصول ضحايا الغزو الليبى من المواطنين السودانيين المصابين والذى تقرر علاجهم فى مستشفى المعادى ورغم القيود وتعذر الحصول على تصريح من الأمن الحربى إلا أن الزميل إسماعيل يونس نائب رئيس التحرير المسئول كان متحمساً واتصل بسيادة الفريق أول عبدالغنى الجمسى فى منزله، ليلاً وحصل على إذن خاص «للأخبار» بالتصوير.. وفورا أرسلت صاحبة الخبر ومعها زميل آخر محمد الشماع.. لعمل تحقيق مصور مع المواطنين السودانيين فى المستشفي.. ونشر التحقيق بالصفحة الثالثة. وكان لابد من تسجيل هذا الموقف الرائع للزميل اسماعيل يونس فى تحمسه واتصاله ليلا بالسيد وزير الحربية فى بيته وللغيار السريع الذى قام به الزميل سعيد إسماعيل وإخراجه لهذا التحقيق. لذا رأيت أن أسجل هذا الموقف للزملاء الجدد.. وروح الفريق الذى يعمل بحماس منك ومن خلالك مع تقديرى الخاص . صبري غنيم. 8/7/1976م