تقول الأسطورة إن طائر الفينيق لا يفنى أبدًا، وإنه فى كل مرة يولد من جديد من رماده، تذكرت هذه الأسطورة وأنا أتابع مؤخرًا تقريرًا لإحدى الفضائيات عن غزاويات يصنعن كحك العيد فى أفران طينية بين ركام بيوتهن التى دمرتها الآلة العسكرية الإسرائيلية، إنها إرادة الحياة والتشبث بالأرض والجذور التى يمارسها كل فلسطينى فى مواجهة محاولات التهجير ومحو الهوية التى بدأت مع اعلان تاسيس إسرائيل، بل وقبل ذلك، واستمرت حتى اليوم. وعلى غرار ملحمة «الإلياذة» للشاعر الإغريقى الكبير هوميروس، يقدم الشاعر الفلسطينى على العامرى للمكتبة العربية ديوانه الشعرى «فلسطينياذا» ليؤرخ بأشعاره ملحمة الصمود، ويقدم السردية الفلسطينية التى تمتد عبر آلاف السنين فى مواجهة سردية مختلقة بلا جذور، أو ملفقة ومكذوبة. سردية العامرى من لحم ودم، حيث كان شاهدًا على كثير من تفاصيلها منذ أن هُجر أهله قسريًا من قريتهم فى قضاء بيسان، عقب حرب 1948 وعندما عاش طفولته فى قرية حدودية فى وادى الأردن ومن يومها وهو يحفظ التفاصيل عن ظهر قلب رضعها مع حليب الأم، ومن حكايات جدته، اختزن كل هذا فى ذاكرته ووجدانه، وراح يجتره مرة فى لوحة تشكيلية، ومرات فى قصائد. بدأ العامرى ملحمته بقصيدة مجنون التل، التى كانت بمثابة البذرة التى أنبتت وصارت شجرة كبيرة متعددة الفروع والأغصان، لنجد أنفسنا فى النهاية أمام عمل ملحمى استحق صاحبه عنه جائزة فلسطين العالمية للآداب لعام 2024. يخوض العامرى، مثله مثل كل فلسطينى وعربى، معركته الثقافية فى مواجهة محتل لا يكتفى بما سرق من أرض بل يريد أن يسرقها بتاريخها، وتراثها، وأحلامها، وعندما فشل قرر أن يقتلع أصحاب الأرض من الجذور، ويفرض عليهم التهجير القسرى، فلا أحد يهجر وطنه طواعية. ولم يبالغ الأديب والناقد د. إبراهيم السعافين عندما كتب فى مقدمة العمل أن «العامرى يقدم الملحمة الفلسطينيّة الحديثة فى تشبّث أبناء فلسطين بهويّتهم وأرضهم، سواء أكان ذلك على الأرض الفلسطينيّة أم فى مواطن الشتّات» فى «فلسطينياذا» نحن أمام نص شعرى واحد، متعدد الإيقاعات، هو سلاح من أسلحة المقاومة المجربة، مضمونة النتائج، بلسان كل فلسطينى يقول العامرى: لا نريدُ سوى أرضِنا/ لا نريدُ جحيمَ الشّتاتِ/ ولا جنةً فى الشّتاتْ .