مروى حسن حسين تشهد السودان فى الآونة الأخيرة تطوراتٍ ميدانية سياسية وعسكرية مهمة، حيث تمكن الجيش السودانى من تحقيق تقدم ميدانى بارز ضد قوات الدعم السريع (RSF). قبل أيام، نجح الجيش فى استعادة السيطرة على مناطق حيوية فى وسط الخرطوم، بما فى ذلك القصر الجمهورى ومطار الخرطوم، ومقر البنك المركزي، بعد معارك استمرت قرابة عامين، هذا التقدم يشير إلى تحول مُحتمل فى ميزان القوى لصالح الجيش فى صراعه المستمر مع قوات الدعم السريع. وترجع أسباب انتصارات الجيش السودانى إلى التخطيط العسكرى المُحكم، وإدارة المعركة بشكل أكثر احترافية مقارنة بالأشهر الأولى للصراع. حيث أشار اللواء الركن محمد عبد الرحمن البيلاوي، قائد عمليات الخرطوم، إلى أن هذه الانتصارات جاءت نتيجة للتخطيط السليم والإرادة القوية للقيادة والقوات المسلحة . كما أن استخدام الجيش للطيران الحربى بشكل فعال ساهم فى إنهاك قوات الدعم السريع واستهداف خطوط إمدادها، مما أدى إلى تقويض قدرتها على الصمود . اقر أ أيضًا | الجيش السوداني يعلن السيطرة «الكاملة» على الخرطوم وكذلك تحقيق الجيش لتفاهمات مع بعض الجماعات المسلحة المحلية أدى إلى تعزيز صفوفه وزيادة قوته على الأرض . على الجانب الآخر فإن تراجع قدرات قوات الدعم السريع قد ساهم أيضاً فى تعزيز انتصارات الجيش، فرغم ما أظهرته قوات الدعم السريع من صمود خلال الشهور الماضية، إلا أنها تواجه مشكلات رئيسية، مثل: الاستنزاف المستمر بفعل الغارات الجوية وانقطاع الإمدادات. وخسارة حاضنتها فى بعض المناطق نتيجة تجاوزاتٍ بحق المدنيين. تأتى هذه الانتصارات الأخيرة، بعد فترة طويلة من الصراع الذى اندلع فى أبريل 2023، والذى أدى إلى تقسيم السودان إلى مناطق نفوذ مُتنازعة بين الجيش وقوات الدعم السريع. ورغم تقدم الجيش فى العاصمة، لا تزال قوات الدعم السريع تسيطر على أجزاء واسعة من المناطق الغربية، خاصة فى دارفور، حيث أقامت سلطاتٍ موازية. وما زال القتال مستمراً فى مناطق متعددة من السودان، مع تزايد المخاوف من تصاعد العنف وتفاقم الأزمة الإنسانية. والوضع أصبح أكثر تعقيداً ويتطلب تدخلًا دوليًا فعّالًا للضغط على الأطراف المتحاربة للوصول إلى حل سلمي. فى ظل هذه الظروف، تزايدت الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار والعودة إلى طاولة المفاوضات بهدف تحقيق انتقال سياسى سلمي. ومع ذلك، لا تزال الجهود الدبلوماسية تواجه تحدياتٍ كبيرة فى ظل تعنت الأطراف المتصارعة وتباين مصالح القوى الإقليمية والدولية المتداخلة فى الشأن السوداني. وفى ظل التطورات الميدانية الأخيرة، هناك عدة سيناريوهات مُحتملة لمستقبل السودان هى : 1- حسم عسكرى لصالح الجيش: فى حال استمر الجيش السودانى فى تحقيق تقدم عسكرى واستعاد السيطرة على الخرطوم وبقية المدن الكبرى، فقد يتمكن من فرض سلطته على البلاد. فقدرة الجيش على استعادة السيطرة بشكل كامل، هو العامل الأساسى فى تحديد ما إذا كان الحسم العسكرى ممكناً. هذا السيناريو قد يؤدى إلى تشكيل حكومة انتقالية بقيادة الجيش، ولكن سيواجه تحديات تتعلق بإعادة بناء الدولة ومواجهة التمردات المُحتملة فى مناطق مثل: دارفور وكردفان. 2- تحول الصراع إلى حرب عصابات: قد تلجأ قوات الدعم السريع إلى تكتيكات حرب العصابات فى دارفور والمناطق النائية، مما يطيل أمد الصراع ويزيد من تعقيداته . 3- تقسيم السودان إلى مناطق نفوذ: استمرار الدعم الخارجى القوى لقوات الدعم السريع، قد يُصعِب هزيمتها عسكرياً، وقد يستمر الصراع دون قدرة أى طرف على تحقيق نصر حاسم، فى هذا الوضع قد تتجه البلاد نحو تقسيم فعلي، بحيث يبقى الجيش مسيطراً على الشمال والوسط، بينما تسيطر قوات الدعم السريع على مناطق الغرب. مما يهدد بوحدة السودان ويؤدى إلى حالة من عدم الاستقرار المستمر . هذا السيناريو قد يؤدى إلى تدخلات إقليمية ودولية لمحاولة فرض تسوية سياسية أو قد يتطور إلى حرب استنزاف طويلة. 4- اتفاق سلام برعاية دولية: هناك احتمال أن يضغط المجتمع الدولى والإقليمى على الطرفين للجلوس إلى طاولة المفاوضات، خاصة فى ظل التدهور الإنسانى الحاد. كما أن الوضع الإنسانى والضغوط الداخلية، قد يدفع الشعب السودانى عبر الاحتجاجات أو الضغوط الشعبية نحو حل سياسى لإنهاء الصراع. نجاح هذا السيناريو يتطلب تنازلاتٍ من الطرفين وتوافقاً على مرحلة انتقالية تقود إلى حكم مدني. 5- استمرار الفوضى والانهيار الكامل للدولة: فى حال استمرار الحرب دون حلول سياسية أو عسكرية واضحة، قد تنزلق البلاد إلى سيناريو شبيه بالحالة الليبية أو الصومالية، حيث تسيطر الميليشيات المسلحة على مناطق متفرقة دون وجود سلطة مركزية. هذا السيناريو سيكون الأكثر كارثية على المستويين الإنسانى والاقتصادي. فى النهاية، يبقى مستقبل السودان مفتوحاً على عدة احتمالات، فنجاحات الجيش تمثل منعطفاً مهماً، لكنها ليست نهاية المعركة. ما سيحدث لاحقاً يعتمد على قدرة الجيش على استثمار انتصاراته سياسياً، وعلى مدى استعداد الأطراف الأخرى للقبول بتسوية أو مواصلة القتال، فاستمرار القتال سيؤدى إلى مزيدٍ من المعاناة ما لم يتم التوصل إلى حل سياسى شامل. وعلى الرغم من التقدم الذى أحرزه الجيش السوداني، فإن السودان يواجه تحديات كبيرة، منها: إعادة بناء المؤسسات المدنية، وتقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين، وتحقيق مصالحة وطنية شاملة لضمان استقرار دائم . فالوضع فى السودان معقد ويتطلب حلاً سياسياً شاملاً يأخذ فى الاعتبار التوازنات الداخلية والتدخلات الخارجية، مع التركيز على تحقيق السلام والاستقرار فى البلاد.