لم تتوقف أصوات الرصاص ودوى الانفجارات فى السودان رغم دخول الهدنة الإنسانية المعلنة بين الجيش السودانى وقوات «الدعم السريع»، لمدة 3 أيام بمناسبة عيد الفطر. وأكد شهود عيان أن المعركة بين الجانبين اشتعلت باستخدام الأسلحة الخفيفة والثقيلة فى محيط القصر الرئاسى وسط العاصمة الخرطوم. وطبقا للشهود، فإن مدينة أم درمان غربى العاصمة الخرطوم شهدت أيضًا اشتباكات عنيفة بين الجيش وقوات «الدعم السريع» فى الشوارع، ما أدى إلى تعقيد الأوضاع الإنسانية على أرض الواقع. وللمرة الثانية، امتدت المواجهات إلى ولاية الجزيرة (وسط) المتاخمة للخرطوم على الطريق القومى إلى مدينة ود مدني. وذلك الطريق هو أحد أكبر المنافذ الرئيسة، واستخدمه مدنيون خلال الأيام الماضية لمغادرة الخرطوم هربا من القتال. وأطلق ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعى تحذيرات للمواطنين بعدم الخروج عبر طريق مدنى الخرطوم لأنه «أصبح غير آمن». وخلال الأيام الماضية دارت اشتباكات بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع فى 9 ولايات من أصل 18 فى البلاد. وتأتى الاشتباكات رغم إعلان «الدعم السريع»، عبر بيان فى وقت مبكر من صباح الجمعة ، هدنة إنسانية لمدة 3 أيام بمناسبة عيد الفطر، بناء على «تفاهمات دولية وإقليمية ومحلية»، وموافقة الجيش عليها. وأعلنت منظمة الصحة العالمية، فى بيان، مقتل 413 شخصا وإصابة 3 آلاف و551 آخرين منذ بدء الاشتباكات فى 15 أبريل الجارى بالعاصمة الخرطوم ومدن أخرى. فيما أعلنت نقابة أطباء السودان، تعرض ست عربات إسعاف للاعتداء من قبل القوات العسكرية المتقاتلة. وقالت النقابة، فى منشور أوردته على صفحتها بموقع «فيسبوك»، إنه تم منع الطواقم الطبية لم يسمح لها بالمرور لنقل المرضى وإيصال المعينات. ولفتت إلى أن 70.8% من المستشفيات المتاخمة لمناطق الاشتباك ما زالت متوقفة عن الخدمة، لافتة إلى أن 56 مستشفى متوقفة عن الخدمة من أصل 79 مستشفى أساسية فى العاصمة والولايات. وكشفت عن تعرض 4 مستشفيات فى مدينة الأُبيّض للقصف، مما يرفع العدد الكلى للمستشفيات التى تم قصفها إلى 13 مستشفى، موضحة أن 19 مستشفى تعرضت للإخلاء القسرى. وناشدت النقابة المجتمع الدولى والإقليمى للمساعدة العاجلة فى وقف هذا الصراع الدموى، وحث الدول على الامتناع عن أى فعل يؤجج الصراع ويزيد اشتعاله وانتشاره فى ربوع الوطن. وفيما أعلن وزير الصحة السودانى هيثم إبراهيم، فى تصريح متلفز، رصد أكثر من 400 وفاة فى كل مستشفيات البلاد. لكن لجانا طبية مستقلة تحدثت، عبر بيانات، عن صعوبة الحصول على عدد كامل ودقيق للضحايا فى ظل عدم وصول بعضهم إلى مستشفيات، وانتشار جثث فى الشوارع وعدم القدرة على التعامل معها جراء القتال. ودعت «نقابة أطباء السودان»، المجتمع الدولى إلى «المساعدة العاجلة» لوقف المواجهات المسلحة فى البلاد بين الجيش و«قوات الدعم السريع». كما ناشد البيان «المجتمع الدولى للضغط على طرفى النزاع لفتح ممرات آمنة لنقل المعينات والجرحى والجثث». فى الأثناء بحث قائد «قوات الدعم السريع» فى السودان محمد حمدان دقلو «حميدتى»، مع أمين عام الأممالمتحدة أنطونيو جوتيريش «الأزمة الراهنة» فى البلاد. وبحسب البيان، فقد ناقش الاتصال كذلك «أهمية فتح ممرات آمنة للمواطنين والمقيمين وتسهيل حركتهم من أجل الحصول على المساعدات الممكنة». وأضاف: «أكدنا ضرورة الالتزام بالوقف الكامل لإطلاق النار وتوفير الحماية للعاملين فى الحقل الإنسانى والطبي، لا سيما موظفى الأممالمتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية». وسبق أن دعا الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بالسودان فولكر بيرتس أطراف النزاع إلى وقف إطلاق النار خلال عيد الفطر، لفتح ممرات آمنة للمدنيين. ولتجنيب السودان «شبح الانهيار الشامل» دعت القوى المدنية «الأطراف العسكرية والمدنية إلى تطوير اتفاق شامل ودائم لوقف إطلاق النار وحل سياسى تفاوضى يعالج قضايا البلاد الرئيسية». وبين البرهان وحميدتى خلافات، أبرزها بشأن مقترح لدمج قوات «الدعم السريع» فى الجيش، حيث يريد الأول إتمام العملية خلال عامين، هى مدة مرحلة انتقالية مأمولة، بينما يتمسك الثانى بعشر سنوات. وجراء خلافتهما تأجل مرتين، آخرهما فى 5 أبريل الجاري، توقيع اتفاق بين العسكريين والمدنيين لإنهاء الأزمة التى يعيشها السودان منذ أن فرض البرهان فى 25 أكتوبر 2021 إجراءات استثنائية بينها حل مجلس السيادة والوزراء وإعلان حالة الطوارئ. وفى إطار الهدنة أعلن الجيش السودانى أن «أمريكا وبريطانيا وفرنسا والصين ستجلى دبلوماسييها ورعاياها». وكانت قوات الدعم السريع قالت، إنها مستعدة لفتح «كل مطارات» السودان «جزئيا» من أجل إجلاء الأجانب. وقال الجيش السوداني، فى بيان،« إن البرهان وافق على تسهيل إجلاء رعايا عدة دول ودبلوماسييها». وتقوم جهات عدة بإعداد خطط لإجلاء الرعايا الأجانب، بينما نشرت الولاياتالمتحدة وكوريا الجنوبية واليابان قوات فى الدول المجاورة، ويدرس الاتحاد الأوروبى خطوة مماثلة. على صعيد متصل، تبقى كل السيناريوهات مفتوحة فى السودان، الذى يدخل الأسبوع الثانى من أعنف اشتباكات عسكرية فى تاريخه بين الجيش وقوات الدعم السريع فى العاصمة الخرطوم. لكن يبدو أن السيناريو الأكثر ترجيحًا، وفقا لتحليل نشره موقع «ستراتفور» هو استمرار حرب المدن الشديدة، على الرغم من أن الضغط المتزايد من الولاياتالمتحدة والسعودية ومصر ودول غربة قد يؤدى إلى توقف قصير للإجلاء، وكان الموقع تحدث عن أربعة سيناريوهات لتطورات الصراع الحالى فى السودان: السيناريو الأول (الأكثر ترجيحًا): توافق الجيش السودانى وقوات الدعم السريع على وقف إطلاق النار بشكل دوري، لكن القتال المتقطع سيظل مستمرا فى المراكز الحضرية. لكن أبرز عقبات هذا السيناريو، هو الانقسامات الموجودة داخل الجيش السودانى حيال تهدئة النيران ضد قوات التدخل السريع، حيث يدعو المتشددين فى القوات المسلحة السودانية إلى تحقيق «نصر كامل وحاسم وسريع» على تلك القوات، كما حدث فى 19 أبريل الجاري، حينما عرقلت أطراف داخل الجيش السودانى سريان هدنة لمدة 24 ساعة بوساطة أمريكية للسماح للسكان المحاصرين بسبب القتال بتلقى الإمدادات والرعاية الطبية وإجلاء المواطنين الأجانب. السيناريو الثانى (محتمل): استمرار القتال العنيف فى المدن دون وقف لإطلاق النار. يدعم هذا السيناريو شبه التطابق فى القوة بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع، علاوة على التصميم القوى من كلا الجانبين «للقتال حتى الموت»، ويشير ذلك إلى أن القتال العنيف فى المناطق الحضرية يمكن أن يستمر من أجل أسابيع، دون أى فترات راحة أو وقف لإطلاق النار. ويجعل هذا السيناريو من مهمة المنظمات الإنسانية للإغاثة والحكومات الأجنبية لإجلاء رعاياها أمرًا شبه مستحيل، وهو ما سيؤدى لإمكانية تدخل جيوش هذه الدول لمحاولة تخليص مواطنيها من السودان، لكن القيام بذلك وسط الضربات الجوية المستمرة من شأنه أن ينطوى على مخاطر عالية للغاية من وقوع إصابات، ما قد يفجر الأوضاع. السيناريو الثالث (مرجح إلى حد ما): سيطرة الجيش السودانى أو قوات الدعم السريع على الخرطوم، مما يجبر الخصم الآخر على توسيع هجماته على الأطراف والمناطق المحيطة. فى هذا السيناريو، من المتوقع أن تشتعل الأوضاع فى الولايات الأخرى المجاورة للعاصمة الخرطوم والأرياف، لا سيما فى دارفور. ورغم أن الجيش السودانى هو الطرف الأكثر ترجيحا للانتصار فى معركة السيطرة على العاصمة، بسبب عددها الأكبر قليلا فى الأفراد والمعدات والدعم العسكرى إلا أن دعم روسيا وميليشيات «فاجنر» لقوات الدعم السريع قد يقوض هذا التفوق للجيش. السيناريو الرابع (غير محتمل): توافق القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على وقف دائم لإطلاق النار ، لكن خطر اندلاع أعمال عنف فى المستقبل لا يزال قائمًا. ويرى التحليل أن هناك فرصة، وإن كانت ضئيلة للغاية، أن تفسح الضغوط الدولية (خاصة العربية) الطريق لوقف إطلاق النار غير المحدود بين القوات السودانية المتحاربة فى الأيام أو الأسابيع المقبلة. فى هذا السيناريو غير المحتمل، من المرجح أن يؤدى الانقسام داخل الجهتين المتحاربتين وعدم الرغبة بين بعض الوحدات لقبول مثل هذه الصفقة إلى استمرار العنف، وفقا للتحليل. لكن وقف إطلاق النار الدائم سيسمح مع ذلك باستئناف المساعدة الإنسانية وإجلاء الأفراد. وبشكل عام، تعد الهدنة لأجل غير مسمى أمرًا بعيد المنال بين الطرفين، حيث يبدو أن كل من قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية ينظران إلى اندلاع العنف الحالى على أنه أفضل فرصة لهما للسيطرة على الحكومة فى المستقبل القريب، ناهيك عن العداوة التاريخية طويلة الأمد بين الجانبين.