نقلت وسائل إعلام عديدة المظاهرات فى مناطق متفرقة داخل قطاع غزة ترفض استمرار حكم حماس للقطاع المنكوب وتطالب بفرصة للحياة، المظاهرات الصاخبة تعيد للذاكرة أحداثًا قديمة حول حماس وانقلابها ضد السلطة الفلسطينية وتوقف عملية السلام بعد وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات والانقسام الفلسطينى الذى أضاع فرصًا عديدة كان يمكن أن تفضى إلى اتفاق سلام ينتهى بدولة فلسطينية. إلا أن الصلف والعنف الإسرائيلى جعل المقاومة خياراً وحيداً لدى الفلسطينيين، والتف الفلسطينيون حول حماس لأنها احتكرت فكرة المقاومة، وهى فكرة لا تنتهى بالعنف والقتل واستهداف القيادات، فهى ليست الأشخاص الملثمين الذين يحملون السلاح بل فكرة مقاومة المحتل، والتى لن تزول إلا بانتهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية المحتلة. على مدار التاريخ فشل العنف فى إنهاء حركات المقاومة، قد تغيب ولكنها تعود مرة أخرى طالما الاحتلال جاثم على جسد الوطن، حتى التظاهرات التى يشهدها القطاع لن تُنهى حماس، ولكنها تضعها فى اختبار حقيقى لإنهاء احتكارها للسلطة وإنهاء الانقسام الفلسطينى باتفاق مع السلطة، على حماس أن تعى أنها تتعامل مع شعب فقد كل شىء ولم يعد يحتمل مزيدا من الحرب، ولا يجب أن تراهن على صبر من فقد كل شىء، وعلى أساس تعاملها مع ذلك الاختبار يمكن التنبؤ بمستقبل حماس الذى يحدده الفلسطينيون. وعلى الجانب الآخر هل احتلال إسرائيل لمزيد من الأراضى سيجعل المواطن الإسرائيلى سعيدًا وآمنًا وهو يعيش فى محيط من الكراهية موجه ضده، وتتعاظم حدوده يوميًا وبالأخص فى منطقة الشرق الأوسط وفى أوروبا وفى كل دولة تتابع جرائم حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة ضد سكان قطاع غزة من المدنيين والأطفال والنساء وكبار السن، أم أن العنف والكراهية سيظل يتجدد بأشكال مختلفة؟ هل تتوقع حكومة نتنياهو نجاح مخططها لتهجير سكان القطاع عبر وكالة تسهل عملية التهجير الطوعى أم أن الفشل سيكون حليفها المؤكد؟ كم هو العدد الذى سيوافق؟ وإذا وافق الفلسطينى على ترك أرضه إلى دولة أخرى، ألن تصبح المصالح الأمريكية والإسرائيلية مهددة داخل أية دولة يهاجر إليها؟ وهو ما يؤدى لتوترات عنيفة فى مناطق عدة حول العالم. لا تختلف تلك الأفكار الحمقاء عن محاولات التحرش الإسرائيلية بمصر، وآخرها وقوع صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية فى خطأ مهنى بنشر تقرير عن عدم توجيه الخارجية المصرية الدعوة للسفير الإسرائيلى الجديد خلال حفل استقبال السفراء الأخير، وربط ذلك بالتوترات الحالية بين البلدين، والادعاء بتقديم طلب فى إبريل الماضى. وبحسب مصادرى المطلعة، لم تقدم إسرائيل أية أوراق لاعتماد سفير جديد فى القاهرة، بل إن أميرة أورون ما زالت هى السفيرة الإسرائيلية المعتمدة فى القاهرة منذ عام 2020، وبالتالى لا يمكن توجيه الدعوة لسفير آخر لم تتقدم دولته بأوراق اعتماده. ولم يعد خافيًا على أحد أن الحكومة الإسرائيلية تحاول الهروب للأمام بافتعال الأزمات مع مصر، والضغط عليها من أجل التراجع عن ثوابتها سواء رفض تهجير الفلسطينيين أو القبول بتصفية القضية الفلسطينية بالإضافة إلى التوقف عن إدانة تحركات إسرائيل فى سوريا، وهو نهج أثبت فشله لأن الحقائق على الأرض ترد على أكاذيب نتنياهو وحكومته. لا سلام فى المنطقة دون التوصل لاتفاق سياسى بين الفلسطينيين والإسرائيليين ينهى حالة العداء والكراهية والنزعة للانتقام المتبادل، والنموذج هو مصر التى وقعت اتفاقًا سياسيًا بعد أربعة حروب كبيرة ونجحت فى إنهاء حالة العداء والنزعة إلى الانتقام بعد توقف الاحتلال وعودة كامل الأراضى. إن مصر لم ولن تتوقف عن حديث السلام لأنه خيارها الاستراتيجى لحل القضية الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية، وهى حريصة على دورها فى رعاية أية خطوات جادة تُفضى إلى السلام، وتتطلع إلى التعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين لمساندة أهل غزة، وحشد الضغط الدولى على إسرائيل لوقف إيذائها للسكان المدنيين ووقف حصارهم بالتجويع بعد منع إسرائيل دخول المساعدات وإجبارها سكان القطاع على ترك منازلهم هربًا من الموت بعد تراجعها عن الهدنة. إصرار مصر على حماية الحق الفلسطينى فى دولة مستقلة عاصمتها القدسالشرقية تكون بمثابة حاضنة لكل الفلسطينيين يعود إلى إيمانها بأنه التحرك الوحيد السليم والقادر على إنهاء دائرة الحرب والكراهية والضامن لعودة دول المنطقة إلى مسار التنمية والتعايش السلمى بعد أعوام من الحرب والدمار لم يحقق فيها أى طرف مصالح شعبه.