على منصور الجنة غيب، مثلما النار، والجنة أقرب للمرء من شراك نعله، مثلما النار أيضا. وكل ما هو غيب فهو عرضة للتخيل، والكتابة عن الجنة تعنى إطلاق العنان لمخيلة الإنسان يحلم بالجنة كيف يشاء، بيقين لا يهتز بأنه طالما سيموت فلسوف يدخل الجنة حتما. مثير للضحك، والله، هذا الإنسان! لكن الله الكريم الذى جعل الجنة غيبا، حتى فى معناها اللغوى فما بداخلها مستتر بأشجارها ونخيلها أقول إن الله الكريم الذى جعل الجنة غيبا ليزيد من تشوقنا إليها قد حدثنا عن بعض نعيمها، فقال لنا إن فيها أنهارا من ماء غير آسن، وأنهارا من لبن لم يتغير طعمه، وأنهارا من عسل مصفى، وأنهارا من خمر لذة للشاربين. وقال لنا إن فيها حورا عين، قاصرات الطرف للمقربين، ومقصورات فى الخيام لأصحاب اليمين. وقال لنا وهذا ما سوف أتوقف عنده فى كتابتى هذه إن لنا فيها (أزواجا مطهرة). الكثيرون دائما يتوقفون عند معنى (أزواج مطهرة)، ويسهبون الحديث عن معانى الطهارة الحسية والطهارة المعنوية، منطلقين من معارف الإنسان الدنيوية، غافلين عن طبيعة الإنسان الأخروية التى لا نعلم عنها شيئا. قال تعالى فى سورة الواقعة : (عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَٰلَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِى مَا لاَ تَعْلَمُونَ.) أى النشأة الآخرة التى سوف نكون عليها، سواء كنا من أصحاب الجنة أو كنا من أصحاب النار. لكننى سوف أتوقف عند كلمة ( أزواج مطهرة) لأدحض رأى أصحاب التصور الذكورى للجنة. فقد شاع كثيرا ذلك التصور المضحك والعجيب والشاذ، والذى يتمحور حول (الحور العين)، وكأن الجنة وهى بالمناسبة مفردة مؤنثة ولها مرادف لغوى مذكر (البستان) لم تخلق إلا لإشباع شهوات الرجل الجنسية. هذا التصور الغافل تماما عن طبيعة الإنسان فى النشأة الآخرة والتى لا يعلمها إلا الله وهى بالتأكيد تختلف تماما عن طبيعة الإنسان فى نشأته الأولى التى نعلمها جميعا. أنا هنا لا أريد أن أقدم تصورا أنثويا عن الجنة، لأنه سيكون مضحكا كذلك وعجيبا وربما شاذا وانتقاميا، إلا أن يكون تصورا موضوعيا وحكيما، وما أكثر النساء اللواتى يتمتعن بالحكمة والفطنة ورجاحة العقل عبر التاريخ الإنساني. نعود إذن إلى تعبير (أوزاج مطهرة). فى لسان العرب: الأصل فى الزوج الصنف والنوع من كل شيء. وكل شيئين مقترنين، شكلين كانا أو نقيضين، فهما زوجان، وكل واحد منهما زوج. وزوج الرجل : امرأته. وزوج المرأة بعلها. فكلمة (زوج) وهى مفرد وجمعها أزواج تطلق على الرجل والمرأة ، سواء بسواء.. قال تعالى فى سورة البقرة مخاطبا سيدنا آدم (اسكن أنت وزوجك الجنة) أى يا آدم اسكن الجنة أنت وزوجك حواء . وقال تعالى فى سورة البقرة أيضا (فإن طلقها فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره) أى تتزوج رجلا غيره. ف (أزواج مطهرة) تنسحب على الرجال مثلما تنسحب على النساء. فالرجال من أصحاب الجنة هم أزواج مطهرون لنسائهم، والنساء من أصحاب الجنة هن أزواج مطهرات لرجالهن. ولأنهم كثير الرجال والنساء أصحاب الجنة جاء التعبير الجامع الواسع الشامل المعجز (أزواج مطهرة). فكما أن للرجل وهو يقرأ (ولهم فيها أزواج مطهرة) أن يطمع ويحلم بزوج فى الجنة كما يشتهي، فإن للمرأة وهى تقرأ (ولهم فيها أزواج مطهرة) أن تطمع وتحلم بزوج فى الجنة كما تشتهي. للمرأة أن تحلم أن لها فى الجنة زوجا حلوا، حنونا، سهلا، لينا، بشوشا، حكاء، طيب الرائحة، بهى الطلة، أبيض حين تحبه أبيض، أو أسمر حين تريده أسمر، لا مملا ولا ضجرا ولا ساخطا ولا فظا ولا متسلطا ولا بخيلا ولا خائنا ولا خائرا، فقط مشغولا بها ومشغولة به. قال ربنا فى سورة يس: (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ*هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ). فاطلقى لخيالك العنان إذن عن مشاغل الجنة، مع زوجك، أيتها المرأة. وللرجل أن يحلم أن له فى الجنة زوجا حلوة، حنونة، سهلة، لينة، بشوشة، حكاءة، طيبة الرائحة، بهية الطلة، بيضاء حين يحبها بيضاء، أو سمراء حين يرغبها سمراء، لا مملة ولا ضجرة، لا ساخطة ولا فظة، لا متسلطة ولا عنيدة، لا خائنة ولا خاوية، فقط مشغولة به ومشغول بها. قال ربنا فى سورة يس: (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ*هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ). فاطلق لخيالك العنان إذن عن مشاغل الجنة، مع زوجك، أيها الرجل. لقد ورد التعبير ( أزواج مطهرة) فى القرآن الكريم ثلاث مرات فقط ، فى الثلاث الأول الطوال: البقرة، وآل عمران، والنساء. قال تعالى: «"وَبَشِّرِ 0لَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ 0لصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا 0لأَنْهَٰرُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَٰذَا 0لَّذِى رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰابِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْاوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَٰالِدُونَ"، البقرة آية 25. وقال تعالى: "قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ لِلَّذِينَ 0تَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا 0لأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ 0للَّهِ وَ0للَّهُ بَصِيرٌ بِ0لْعِبَادِ" آل عمران آية 15. وقال تعالى: "وَ0لَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ 0لصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا 0لأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً لَّهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً»" النساء آية 57. (أزواج مطهرة)، أملٌ جميلٌ لا مثيل له، لمن فاتها فى الدنيا من أحبت، ولمن ظلمها فى الدنيا من أحبت، ولمن خانها فى الدنيا من أحبت. ولمن قسى عليها فى الدنيا من أحبت، ولمن خذلها فى الدنيا من أحبت. أملٌ أخضر يانع لايذبل ولا يضيع، يمنحها الصبر، ويجعلها تقول فى سريرتها: (لى هناك فى الجنة زوج جميل، أجمل من يوسف، سوف يزوجنيه الله يوم القيامة، ويدخلنيه معى الجنة يوم القيامة). أولا تصدقون؟! أم تظنون أن كل إنسان سوف يختار زوجه بنفسه فى الآخرة كما فى الدنيا؟! كلا، إن من مشاهد يوم القيامة العظيمة، وأحداثها الجسام، كتكوير الشمس، وانكدار النجوم، وتسيير الجبال، وتفجير البحار وبعثرة القبور، أقول إن من بين هذه الأحداث الجسام: تزويج النفوس، يقول ربنا العزيزفى سورة التكوير: (وإذا النفوس زوّجت). أصحاب الجنة سوف يزوجون نساء ورجالا، وأصحاب النار سوف يزوجون نساء ورجالا. سوف يزوجون ويساقون إما إلى الجنة وإما إلى النار. قال تعالى فى سورة يس: (إن أصحاب الجنة اليوم فى شغل فكهون هم وأزواجهم فى ظلال على الأرائك متكئون)، وقال تعالى فى سورة الصافات: "0حْشُرُواْ 0لَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ، مِن دُونِ 0للَّهِ فَ0هْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ 0لْجَحِيمِ". (أزواج مطهرة)، أملٌ جميلٌ لا مثيل له، لمن فاته فى الدنيا من أحب، ولمن ظلمته فى الدنيا من أحب، ولمن خانته فى الدنيا من أحب. ولمن قست عليه فى الدنيا من أحب، ولمن خذلته فى الدنيا من أحب. أملٌ أخضر يانع لايذبل ولا يضيع، يمنحه الصبر، ويجعله يقول فى سريرته: (لى هناك فى الجنة زوج كأنها اللؤلؤ والمرجان، لم يطمثها قبلى إنس ولا جان،سوف يزوجنيها الله يوم القيامة، ويدخلنيها الجنة معى يوم القيامة). (أزواج مطهرة)، كلنا رجالا ونساء متشوقون لأزواجنا المطهرة، فى الجنة. فهل تسمعونني: أحسنوا لأزواجكم وأزواجكن أيها الرجال وأيتها النساء فى الحياة الدنيا، يحسن الله لكم فى الجنة ب(أزواج مطهرة).