بعض الأشياء من حولنا قد يبدو بسيطًا أو تافهًا، وحين نفقده ندرك أننا أضعنا جبلًا من الأهمية، خصوصًا عندما نهدأ ونفكر بعقلانية ونمعن النظر في تفاصيل ما أضعناه إما بجهل أو بإهمال وعدم اعتناء. ذات مرة، اشترت لي أمي سُترة شتوية، وكعادة أمهات زمان كانت الواحدة منهن تشتري لأطفالها ملابس أكبر درجة أو اثنتين لتكفيه لمدة أطول، وكانت تلك السترة بسحّاب لا ينتهي عند عنقي، ما يعني أن الهواء البارد قد يتسلل إلى جسدي النحيل، واستأت كثيرًا وأقسمت ألا أرتديها كي لا يكون ذلك المنظر السيئ سببًا في تندر زملائي وسخريتهم من إطلالتي. أخذت أمي تتدقق النظر في مظهري، وبرقت في رأسها فكرة.. هبت واقفة واتجهت إلى علبة لديها تحتفظ فيها بخيوط وإبر وأزرار، وعلى طريقة عالم الفيزياء الشهير أرشميدس، عادت إليّ وهي تردد: «وجدتها، وجدتها»، ولمحتُ في يدها دبوس أمان «مشبك» ، شبّكت به طرفي ياقة سترتي وحلت المشكلة في ثوانٍ. لم أنسَ ذلك المشهد أبدًا، ظل محفورًا في ذاكرتي، حتى استعدته أخيرًا، ووجدتني أتساءل بيني وبين نفسي: تُرى مَنْ الذي صنع دبوس الأمان؟ هناك أفكار تولد مكتملة منذ اللحظة الأولى، كأنها تحمل في طياتها سرَّ الكمال، لذا فإنها تظل صامدة عبر الزمن دون حاجة إلى تعديل أو تحسين. تخيل معي ذلك الدبوس الصغير الذي ابتكره والتر هنت عام 1849 لم يتغيّر شكله منذ 176 سنة! إنه تصميم بسيط جدًا إلى حدٍّ مدهش. إن الفكرة العظيمة ليست بالضرورة تلك التي تتغير باستمرار أو تتلوّن بأشكال جديدة، بل يمكن أن تكون تلك التي تثبت جدارتها بفضل بساطتها وفاعليتها، كأنها تحمل في داخلها خلودًا خاصًا.