جاء مسلسل «معاوية» ليشعل الجدل، ويثير التساؤلات حول مقاربة الدراما للأحداث التاريخية الكبرى، لم يكن هذا الجدل مستغربًا، فالمسلسل يتناول فترة مضطربة، من أكثر الفترات حساسية، وإثارة للخلاف فى التاريخ الإسلامي، وتعرف ب«الفتنة الكبرى» التى أعقبت مقتل الخليفة عثمان بن عفان، وما تبعها من صراع بين «على بن أبى طالب» و»معاوية بن أبى سفيان»، لكن ما لم يكن متوقعًا هو أن يتجاوز الجدل المضمون التاريخي، ليشمل ضعف التنفيذ الفنى وعدم دقته، وهو أمر لا يليق بعمل بلغت ميزانيته نحو 100 مليون دولار، وهى ميزانية لم يصل إليها عمل فنى عربى من قبل! . جاءت الرؤية البصرية للعمل صادمة، فالمشاهد الداخلية والقصور الفخمة تعكس بيئات أقرب إلى العصر المملوكي، رغم أن الأحداث تدور قبل ذلك بألف عام! كما أن تصميم الملابس لا يمت بصلة لواقع مكة والمدينة فى القرن السابع، بل بدا وكأن قريشاً تعيش فى أوروبا العصور الوسطى، مما يعكس سطحية المعالجة البصرية! كما أن اختزال شخصيات كبرى، مثل «الحسن بن علي» و»عمرو بن العاص»، إلى مجرد شخصيات ثانوية، هو تجاهل فج لتأثيرها الكبير فى مجريات الأحداث، ولم تقتصر الأخطاء على معالجة الشخصيات، بل امتدت إلى الأحداث نفسها، حيث قفز المسلسل على بعض الوقائع الحاسمة، وبدلًا من تقديم سرد متماسك وموضوعي، جاء أشبه بمجموعة مشاهد مجمّعة بلا ترابط، وحوار لا يعكس طبيعة العصر أو شخصياته المؤثرة، مما أدى إلى تقديم صورة مشوهة عن السياق التاريخى الحقيقي. يطرح المسلسل تساؤلًا جوهريًا حول طبيعة شخصية «معاوية»، هل هو رجل دولة بارع نجح فى توحيد الأمة بعد سنوات من النزاع؟ أم أنه سياسى محنك استغل الفتن لتحقيق طموحاته الشخصية؟! حيث يميل المسلسل بوضوح إلى تقديمه فى صورة رجل دولة عبقري، بينما يظهر على بن أبى طالب بصورة لا تليق بمكانته، فبدا وكأنه زعيم متردد، وهذا يخالف ما هو ثابت تاريخيًا عن شخصية الإمام على رضى الله عنه، أحد أكثر الشخصيات الإسلامية عدلًا وحكمة وقوة. وتبقى مجموعة تساؤلات تفرض نفسها وتتزاحم داخل ذهني: لماذا يتم تقديم مسلسل عن معاوية الآن؟ لماذا التركيز على «تراث الدم» وإنتاج روايات منحازة تعيد إحياء انقسامات تاريخية؟! وهل يُسمح للدراما التاريخية بالتلاعب بالحقائق؟ أم أن مسئوليتها الأولى يجب أن تكون تقديم سردية دقيقة ومحايدة للتاريخ؟! ولماذا ظهر العمل بهذا الشكل الهزيل رغم ضخامة ميزانيته؟! إن «معاوية» لم يكن مجرد مسلسل درامي، بل محاولة لإعادة تشكيل سردية تاريخية، أسيرة الرؤى الأيديولوجية! .