هل جنى مطلع قصيدة «رَمَضانُ وَلّى هاتِها يا ساقى» التى كتبها أحمد شوقى على نفسه لا أدرى لماذا لم يهتم الشعراء بشهر رمضان إلا قليلًا، ومعظم ما جاء من أشعارهم أضعه فى باب النظم، وهو كلام موزون مقفى قد يدل على معنى بينما ابتعدت قصيدة التفعيلة عن هذا اللون تمامًا؛ ولكن هذا لا ينفى وجود بعض الأبيات، التى احتفت بقدوم شهر رمضان وبليلة القدر، وبجمال الصيام والقيام، والدعوة إلى فضائل الشهر ورحمات الله فيه، ومن هؤلاء الشاعر الكبير معروف الرصافى الذى يقول: ولو أنى استطعتُ صيام دهري لصمتُ فكان دَيْدنيَ الصيامُ ولكن لا أصوم صيام قومٍ تكاثرَ فى فطورهم الطعامُ إذا رمضان جاءهمُ أعدُّوا مطاعم ليس يدركها انهضامُ وقالوا يا نهار لئن تُجِعْنا فإن الليل منك لنا انتقامُ ويتحول رمضان عند الشاعر ابن دراج القسطلى إلى هدية أهديتموها، يقول: فاقبلْ هديته فقد وافى بها قدرًا إلى أمد الصيام إذا وجبْ واستوفِ بهجتَها وطِيب نسيمها فإذا دنا رمضان فاسجد واقتربْ بينما يقول الدكتور أكرم جميل فى قصيدته رمضان مهجة الإيمان: العمر فيكَ يطيبُ والقرآنُ يا مهجة الإيمانِ يا رمضانُ فيك القلوب تبُرّ فى طاعاتها وبنا يعيش البر والإحسانُ وقد وجدت قصيدة للشاعر مصطفى النجار فى شهر رمضان يقول فيها: شهرٌ أطل على الوجود هلالُه متبّسمًا نَثَر الضياء سيولا الخير يزكو فى تفتّح وردهِ ويمدُّ ظلًا فى النفوسِ ظليلا شهرٌ تألّق ليلُه ونهارهُ كم ذا أضاءَ مشاعرًا وعقولا كم ودّ فيه الأتقياءُ دوامهُ والتائبون تبتلوا تبتيلا فيه التّقى جذلانَ فى جنباته ملأ القلوب تشوقًا وذهولا فيه الكنوز: تلاوةٌ وتآلفٌ والنُعميات تسارعت تهليلا الصومُ فيه عبادةٌ عذُبت بِه والصّبر أصبحَ بالصّيام خميلا يا (ليلة القدرِ) الكريمة أقدمي وتفتّقى بالمعجزات قليلا يا شهرُ.. يا شهرُ التقى وبكَ الُلقا أقبلْ علينا فى الدُّجى قنديلا الله ما أبهى غلالَ حصاده! رمضان يحملُ للطيور حقولا شهرٌ ولا كلِّ الشهورِ فإنه.. عيدٌ يخطُّ الى الخلودِ سبيلا أحمد شوقى ولعنة بيت هل جنى مطلع قصيدة كتبها أحمد شوقى على نفسه عندما بدأ قصيدته عن شهر رمضان والعيد قائلًا: رَمَضانُ وَلّى هاتِها يا ساقي مُشتاقَةً تَسعى إِلى مُشتاقِ ما كانَ أَكثَرَهُ عَلى أُلّافِها وَأَقَلَّهُ فى طاعَةِ الخَلّاقِ اللَهُ غَفّارُ الذُنوبِ جَميعِها إِن كانَ ثَمَّ مِنَ الذُنوبِ بَواقي هل كان أحمد شوقى يقصد الخمر الحقيقي، أم كان يقصد الخمر الرمز؟ هل كان مقولُ البيت على لسانه أم على لسان شاربيها؟ هل جاء البيتُ عرضًا أم قصدًا؟ وهل كانت المقدمة خمرية جريًا على عادة الشعراء العرب القدامى؟ أسئلة دارت بذهنى وأنا أقرأ هذه القصيدة، التى يدعو فيها إلى التمسك بالأخلاق، فكيف يميل بنا الظن إلى الخمر الحقيقي؟ أرجح أن الشاعر وهو المعروف عنه أنه لم يشربها كان يقصد عادة شعرية عربية أشبه بالوقوف على الأطلال، وإلا فكيف نفسر قول هذه القصيدة؟: فَلَعَلَّ سُلطانَ المُدامَةِ مُخرِجي مِن عالَمٍ لَم يَحوِ غَيرَ نِفاقِ وَطَنى أَسِفتُ عَلَيكَ فى عيدِ المَلا وَبَكَيتُ مِن وَجدٍ وَمِن إِشفاقِ لا عيدَ لى حَتّى أَراكَ بِأُمَّةٍ شَمّاءَ راوِيَةٍ مِنَ الأَخلاقِ ذَهَبَ الكِرامُ الجامِعونَ لِأَمرِهِم وَبَقيتُ فى خَلَفٍ بِغَيرِ خَلاقِ أَيَظَلُّ بَعضُهُمُ لِبَعضٍ خاذِلًا وَيُقالُ شَعبٌ فى الحَضارَةِ راقي وَإِذا أَرادَ اللَهُ إِشقاءَ القُرى جَعَلَ الهُداةَ بِها دُعاةَ شِقاقِ الأغانى والمسحراتى يغفل الباحثون عن قصائد الشعراء فى رمضان عن الانتباه إلى أغنيات رمضان، التى حوَّل المصريون كلمات فرعونية إلى كلمات ترحب برمضان «وحوى يا وحوى إياحه»، وكيف لم ننتبه إلى أشعار المسحراتية لأنهم يرتجلون قصائد تدعو للاستيقاظ للسحور والقيام، ولكنها كانت تحمل لمسة بلاغية وكنايات فى نص مضمر، فلكل بلدة كلماتها: اصح يا نايمْ .. وحّد الدايمْ.. رمضان كريم أو قول مسحراتى آخر: يا «نايمين» الليلْ.. قوموا اتسحروا يا «نايمين» الليل.. قوموا اتطهروا حبذا لو جمع أحد الباحثين أشعار المسحراتية، فهى إلى زوال. تعليق بلال على غربلة الفتاوى أثارت يومياتى حول ضرورة التفقد المذهبى وغربلة الفتاوى، التى دعوتُ فيها إلى مراجعة الفتاوى المتشددة وقراءة سياقها الزمنى والاجتماعي، وما أحاط بها من سياسة، وقد ارتأيتُ أن أنشر تعليق الأستاذ محمود بلال عليها لما فيه من فائدة شاكرًا كل مَن علّق، فقد أضاءت لى التعليقات دروبًا لم أتناولها؛ قال: «... وتعليقى البسيط عطفًا على ما قاله الدكتور بدران: لا شك، نحن فى حاجة إلى غربلة الفتاوى القديمة، غير أننا أيضًا فى حاجة مُلِحّة إلى غربلة الفنون، الفنون جميعها، لاسيما الحديث منها، فإذا كانت الفتاوى القديمة فى حاجة للغربلة، فهذا يشير إلى تلوث الفتاوى قديمًا، واعتدالها حديثًا، على عكس الفنون التى انحدرت فى المجتمع العربى -لاسيما المصري- انحدارًا ملحوظًا، فهل يتخلص الأزهر من بعض الاتجاهات السيئة، التى شابته قديمًا، وفسدت بعلاقة عكسية معظمُ الفنون التى تجسد -كما يُفترض- ثقافة المجتمع الخارجة فيه؟ ونحن -أيضًا- فى حاجة مُلحّة إلى غربلة الإعلام؛ أشار الدكتور بدران فى المقال إشارات مهمة إلى جنون الشهرة، وهو لا يقصد به جنون المشاهير، بل الساعين إلى الشهرة حد الهوس بها، الذين يصنعون صنائعهم المشينة كما ذكر، لكننى مع هذا لا ألومهم؛ أولًا لأنهم مرضى، ثانيًا لأنهم أفراد، لا مؤسسات، إنما الأوْلى باللوم والحساب، بل العقاب جزاءً، هم المرضى الأكبر منهم الذى يتسبب مرضهم فى وباء حقيقى يضرب فى جذور المجتمع وأجياله الصاعدة، هؤلاء أستاذنا العزيز هم المؤسسات الإعلامية ونجوم الشاشات من إعلاميين وصحفيين مشهورين، الذين يستضيفون فى برامجهم العظيمةِ المرضى الصغار، ليتحدثوا عن نجاحهم ومسيرة العطاء الحاشدة، وهذه النوعية من اللقاءات والحفاوات هى التى تصنع مزيدًا من المرضى فى المجتمع. هؤلاء أولى بالغربلة والله يا دكتور» انتهى. فى النهايات تتجلى البدايات قال الشاعر عمر بهاء الدين الأميرى: قَالُوا: سَيُتْعِبُكَ الصِّيَامُ وَأَنْتَ فِى السَّبْعِينَ مُضْنَى فَأَجَبْتُ بَلْ سَيَشُدُّ مِنْ عَزْمِي، وَيَحْبُو القَلْبَ أَمْنَا