يقال إن شهر رمضان في مصر له طابع خاص، لا يمكن أن تتذوقه في أييأ مكان أخر من العالم، ففي هذا الشهر الكريم عرف المصريين منذ مئات السنين الكثير من العادات والتقاليد التي أصبحت مورثًا ثقافيًا مقدسًا لديهم، ومن هذه المقدسات الجميلة التي لا يزالون يحرصون عليها، مهنة «المسحراتي». جاءت فكرة «المسحراتي» مع قدوم الدولة العباسية، إذ وجد "عتبه بن اسحاق"، إن المسلمون لا ينتبهون كثيرًا إلى وقت السحور ولا أحد يقوم بتلك المهمه، فقرر أن يقوم هو بنفسه بأداء تلك المهمه وهو والي مصر، فكان يمر بشوارع المحروسه ليلًا لإيقاظ الناس من مدينة العسكر إلى مسجد عمرو بن العاص بالفسطاط وينادي قائلًا: عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة. تطورت بعد ذلك مهنة المسحراتي على يد المصريين، و ابتكروا فكرة الطبله الصغيرة التي يحملها المسحراتي ليقوم بالدق عليها بدلًا من الدق بالعصا على أبواب المنازل وكانت تسمي "بازه" و بمرور الوقت تطورت تلك المهنه فاستخدم المسحراتي الطبله الكبيره وكان المسحراتي ينشد الأشعار والأغاني الشعبيه الجميلة الخاصة بتلك المناسبه الرمضانيه الجميله، ثم تطور الأمر إلى أن أصبح عددًا من الأشخاص يقومون بتلك المهمه وليس شخصًا واحدًا حاملون الطبل يرأسهم المسحراتي ويقومون بالغناء والتجول في أروقة المدينه لإيقاظ المصريين لتناول سحورهم. ومن الذكريات التي احتفظ بها الشاعر ياسر قطامش وذكرها في كتابه «وحوي يا ووحوي.. رمضان صور وحكايات»، أنه في عام 1949، كان يوجد حاج يدعى «عبد النبي» وقد لُقب ب«شيخ المسحراتية»، إذ كان يجتمع أول أيام رمضان بكل المسحراتية من هذه الطائفة في حي السيدة نفيسة، ويقوم بتوزيعهم على شوارع القاهرة وضواحيها حتى يرتزق كل منهم بجود أهل الخير والبركة، فالنظام كان عنوانهم، ولعل هذا هو سر تعلق أذهاننا بهم حتى الآن مع اختفائهم، ولعل السبب فى إندثار تلك المهنة هو ظهور الفضائيات التي جعلت الناس ينامون طوال النهار ويستيقظون طول الليل. ويُسأل أحد المسحراتية فى حوار أجرته مجلة الاثنين في أول رمضان عام 1368 هجريًا، يدعى الشيخ حسن، مسحراتي الصنادقية بالأزهر، الذي تمنى إقامة نقابة خاصة لهم تحفظ لهم حقوقهم وتحقق لهم مطالبهم، فهل تخيلت يوما أن هذه الأمنية قد تتحقق، بالطبع لا، وذلك أيضًا مع توقعه الشيخ حسن. بدأت مهنة المسحراتي تأخذ مسارًا جديدًا عبر موجات الأثير، بداية من أربعنيات القرن الماضي، فمن أشهر وأجمل البرامج الرمضانية التي وثقت لتك المهنة، برنامج «المسحراتي» لسيد مكاوي وفؤاد حداد والتي مازالت كلماته تتردد في قلوبنا منذ الطفولة: «اصح يا نايم.. وحد الدايم.. وقول نويت.. بكره أن حييت.. الشهر صايم… والفجر قايم… أصح يا نايم.. وحّد الرزاق». لكن عقب افتتاح التليفزيون المصري أسند القائمون عليه تلك الشخصية للفنان الراحل محمود شكوكو، فقد أطلّ «شكوكو» على الجماهير في أول رمضان للوليد الإعلامي الجديد «التليفزيون»، من خلال شخصية «المسحراتي» طوال 30 حلقة كانت تذاع بعد منتصف الليل، من تأليف إبراهيم حسني وسيد أحمد. ومن أهم البرامج التي تم تقديمها في الشهر الفضيل ذلك العام: «رمضان في البلاد الإسلامية»، و«بساط الريح»، و«رمضان زمان»، و«مسابقة رمضان»، و«نوادر جحا».