الحكم على ما قدمته الدراما المصرية فى رمضان 2025 صعب، ولن يكون عادلا إلا إذا شاهدت كل المسلسلات التى يتجاوز عددها الأربعين مسلسلا، وهذا طبعا مستحيل! لكن يمكن أن أتكلم عن المسلسلات التى اخترتها حسب معاييرى الخاصة، وذائقتى الفنية. اخترت مثلا: قلبى ومفتاحه، النص، أشغال شاقة جدا، إخواتى، ظلم المصطبة، لام شمسية. ورشح لى أصدقاء مقربون: عايشه الدور، أولاد الشمس، وتقابل حبيب. المسلسلات التى اخترتها وشاهدتها كانت جيدة، وبعضها جيد جدا، لكنى أشعر أن أجواء المنصات طغت على أجواء وجودة الأعمال الرمضانية التى امتعتنا ومنحتنا فضاءات رائعة من الفن والجمال زمان. كان هناك مسلسلات «سوبر» لا تستطيع أن تفوِّت حلقة منها، تترقب أن يأتى اليوم التالى بسرعة حتى تعرف ماذا حدث للأبطال الذين ارتبطت بهم وأصبحت مصائرهم ومسارات حياتهم تشغل بالك. رأفت الهجان، ليالى الحلمية، الضوء الشارد، زيزينيا، دموع فى عيون وقحة، وغيرها من روائع الدراما المصرية التى ارتقت وازدهرت على أيدى مؤلفين كبار: أسامة أنور عكاشة، صالح مرسى، وحيد حامد، محمد السيد عيد، عبد الرحيم كمال، وغيرهم. المسلسلات التى شاهدتها جميلة وممتعة لكنها تنتهى داخلك بمجرد نزول تتر النهاية، ولا يبقى منها شىء تتذكره، ولا أية جملة علقت بذاكرتك، مشهد «ماستر بيس» توقفت عنده وأعدته مرة أخرى لتتأمل أداء الممثل، أو مباراة بين ممثلين تماهيا مع الشخصيات التى يقدمانها، وقدما مشهدا يبقى فى الذاكرة، لا شىء من هذا يحدث فى المسلسلات التى شاهدتها، رغم أنها فى اعتقادى وحسب معاييرى هى الأفضل بين المعروض. رأيى أن الدراما المصرية بصفة عامة فى حاجة إلى خريطة مدروسة تضع الأهداف، وتفتح الباب للفكر وحرية الإبداع دون حواجز، أن نقدم شخصية مصرية رائدة كل عام من خلال عمل درامى عالى المستوى، إنتاج ضخم يبرز سير حياة شخصيات مثل: دكتور مجدى يعقوب، النجم العالمى محمد صلاح، الدكتور أحمد زويل، أديب مصر نجيب محفوظ. سيقول البعض إن تلك الموضوعات لن تجتذب الشباب، ولن تحقق أعلى نسبة مشاهدة. لكنى أرد على هذه المقولات البعيدة كل البعد عن الحقيقة وأقول: لدينا سابقة أعمال لسير ذاتية حققت نجاحا جماهيريا مذهلا، مسلسلات: أم كثوم، قاسم أمين، الأيام، الملك فاروق. الناس عطشى للفن الجيد، والموضوعات التى تخاطب العقل والفكر، وتحرك الوجدان. والحقيقة أن ما يقدم مُسلٍّ ولطيف، لكنه غير مشبع. أنا هنا أتحدث عما شاهدته وهو الأفضل، ناهيك عن مسلسلات الردح والبذاءة، والعنف والقبح الرهيب الذى يقدمه أكثر من مسلسل هذا العام. أسعدنى أن يثير الرئيس عبد الفتاح السيسى هذا الموضوع، وأن يؤكد ضرورة أن تقف الدولة وراء المحتوى الجيد الذى يدفع الإنسان للتفكير فى قضايا مهمة، وتؤثر بشكل إيجابى وملهم فى تشكيل عقول وشخصيات شباب المستقبل، وهو ما أتمنى أن تراه المؤسسات المهيمنة على هذا الملف الأهم فى حياتنا ومستقبل أولادنا.