في تاريخ الدراما المصرية، هناك العديد من الأعمال التي تشكل علامات فارقة، ليس فقط لما قدمته من قصص مميزة، بل لأنها شكلت نقطة انطلاق لنجوم أصبحوا فيما بعد من أبرز وجوه الساحة الفنية. وفي عام 2002، تم تقديم واحدا من أبرز الأعمال الاجتماعية التي تركت بصمة في أذهان المشاهدين، وهو مسلسل "أين قلبي"، الذي لم يكن مجرد عمل درامي ناجح فحسب، بل شكل شهادة ميلاد لجيل جديد من الفنانات. ووسط أداء قوي لبطلة العمل يسرا، برز من خلال المسلسل موهبتان شابتان هما منة شلبي ومي عز الدين، حيث قدمتا أدوارا رسخت أسمائهما في ذاكرة الجمهور، لتصبحا فيما بعد من نجمات الصف الأول. لم تكن مشاركة منة ومي في المسلسل مجرد خطوة عابرة، بل جاءت بعد رؤية ثاقبة ليسرا التي آمنت بموهبتهما منذ البداية، لتفتح لهما الباب نحو مسيرة فنية مليئة بالنجاحات، ويأتي هذا الاختيار ليرسم ملامح طريقهما نحو النجومية، ورغم أن اختيار الفنانين والممثلين عادة مسئولية المخرج، إلا أن يسرا ساهمت في تسليط الضوء على موهبتهما وأصرت على مشاركتهما في المسلسل, فلم تكتف يسرا بدورها كممثلة، بل لعبت دورا في اكتشاف وتقديم المواهب، لتثبت أن الفنان الحقيقي لا يصنع مجده فقط، بل يمهد الطريق للأجيال الجديدة, وعن هذه التجربة، كان لمنة تصريحا سابقا حيث قالت: "أستاذة يسرا هي صاحبة أحلى ضحكة على الشاشة، وهي التي علمتني كيف أكون ممثلة حقيقية". عرض مسلسل "أين قلبي" وشكل بوابة الشهرة والنجومية لكل من مي ومنة، حيث كان العمل بمثابة انطلاقة حقيقية لهما نحو عالم الأضواء. منة تعد اليوم واحدة من أهم الفنانات في الوطن العربي، فقد سارت نحو النجومية بخطوات ثابتة، واستطاعت بفضل موهبتها وحضورها واجتهادها أن تحجز مكانتها الفنية, وعن دورها في مسلسل "أين قلبي"، لم تنسى منة شلبي إن يسرا كان لها فضل كبير في تقديمها للجمهور من خلال شخصية "توحة"، حيث علمتها أن أهمية الدور تقاس بمدى تأثيره وليس بحجمه, وقدمت منة في المسلسل دور ابنة الفنان حسن حسني وخيرية أحمد، حيث جسدت شخصية "توحة" الطالبة في المرحلة الثانوية التي تعيش حياة بلا قيود، وتورطت في علاقة سرية دون علم أهلها، ليجبرها أهلها بعد ذلك على الزواج من الشخص نفسه بعد القبض عليهما في قضية آداب، مما اضطرها إلى ترك الدراسة, أداء منة لهذا الدور كان علامة فارقة في مسيرتها، واستطاعت أن تقنع المشاهدين بموهبتها الكبيرة، لدرجة أن البعض ظلوا لفترة طويلة مقتنعين بأنها شخصية شريرة وغيورة مثل "توحة" تماما. أما مي، فقد كان مسلسل "أين قلبي" ثاني ظهور لها بعد فيلمها الأول "رحلة حب" أمام محمد فؤاد, لعبت في المسلسل دور "فرح" ابنة الفنانة يسرا، وجاء اختيارها لهذا الدور بعد أن أعجبت يسرا بأدائها في الفيلم، فقامت بمكالمة المخرج مجدي أبو عميرة وأخبرته أنها وجدت من ستلعب دور ابنتها في المسلسل، ليتم إسناد الدور لها, وقد تعلمت مي الكثير من يسرا خلال مشاركتها في العمل، وهو ما انعكس على أدائها الفني فيما بعد. لم يكن مسلسل "أين قلبي" مجرد محطة في مسيرة منة ومي، بل كان أيضا بداية لصداقة قوية جمعت بينهما واستمرت لسنوات طويلة, كما كان المسلسل أول تجربة تمثيلية لمنة فضالي، التي شاركت في العمل أمام المتألقة يسرا، مؤكدة أنها تعلمت الكثير من هذه التجربة التي شكلت نقطة انطلاق لها في عالم الفن. مسلسل "أين قلبي" يعد واحدا من أبرز الأعمال الدرامية الاجتماعية التي سلطت الضوء على العديد من المشكلات التي كانت تواجه الشباب والمراهقين في بداية الألفية الجديدة, وهو من تأليف مجدي صابر وإخراج مجدي أبو عميرة، حيث ناقش قضايا اجتماعية هامة شغلت المجتمع المصري، خاصة الطبقة الوسطى. ركز المسلسل على قضايا الشباب، مثل الزواج العرفي في الجامعات، والذي كان ظاهرة منتشرة في ذلك الوقت، بالإضافة إلى معاناة الدروس الخصوصية، وارتفاع نسب العنوسة، وأيضا مشكلات الإسكان والبناء، والفساد والتلاعب في القوانين, واستطاع أن يشكل علامة بارزة في الدراما التليفزيونية، ليس فقط بسبب قصته المؤثرة، لكن أيضا لأنه قدم للجمهور وجوها جديدة أصبحت فيما بعد نجمات ساطعات في سماء الفن العربي. تدور أحداث المسلسل حول شخصية "فاتن" التي تجسدها يسرا، وهي مهندسة معمارية تعمل في شركة ضخمة وتعاني بعد وفاة زوجها، حيث تتحمل مسئولية ابنها "تامر" وابنتها "فرح" بالإضافة إلى والدها المسن، وتواجه "فاتن" الكثير من الصراعات مع أقرباء زوجها بسبب اختلاف المبادئ التي تحاول زرعها في أبنائها، كما تصر على عدم الزواج مرة أخرى من أجل التفرغ لتربية أبنائها, ورغم المصاعب، تنجح "فاتن" في دفع ابنتها "فرح" لتتفوق دراسيا وتصبح من الأوائل، بينما يصبح ابنها "تامر - هيثم محمد" بطل العالم في رياضة الكاراتيه, تجمع "فاتن" علاقة صداقة قوية مع "وصال" عبلة كامل، وهي فتاة ثرية تحاول تحقيق أحلامها المؤجلة. قدمت يسرا شخصية مركبة مليئة بالمشاعر الإنسانية من الحنين والافتقاد إلى القوة والإصرار، مما جعلها تتعامل مع مجموعة متنوعة من المشاعر الإنسانية، وهو ما أضفى عمقا كبيرا على الشخصية. اقرأ أيضا: برسالة مؤثرة لجمهوره.. محمد دياب يودع مسلسل «قلبي ومفتاحه» لاقى المسلسل نجاحا جماهيريا كبيرا، وأصبحت الشخصيات التي قدمها أبطاله محفورة في أذهان الجمهور، حيث شارك في العمل نخبة من الممثلين منهم, عبلة كامل في دور "وصال", حسن حسني في دور "مرشدي", محمود قابيل في دور "خالد", خيرية أحمد, رشوان توفيق, صفاء الطوخي, نهال عنبر, توفيق عبد الحميد, يوسف داوود وإحسان القلعاوي. بعد نجاح المسلسل انطلقت كلا من منة شلبي ومي عز الدين نحو النجومية بخطوات ثابتة, منة قدمت العديد من الأدوار السينمائية المميزة مثل "الساحر" و"أحلى الأوقات"، بينما خطت مي عز الدين طريقها نحو البطولات التليفزيونية والسينمائية، وأصبحت إحدى أبرز نجمات الكوميديا والرومانسية. يبقى العمل علامة فارقة في الدراما الاجتماعية التي جمعت بين العمق الإنساني والأداء التمثيلي المتميز.