تمتلك دول عدة متاحفها المخصصة للفن الإسلامي أو أقساما كبيرة له، ومع ذلك فإن بعض المجموعات الخاصة من مقتنيات هذا الفن تعتبر منافسا قويا بسبب أعداد بعضها التى تصل إلى عشرات الآلاف من القطع، واتساعها لكافة المجالات من خزف ومنمنمات ومخطوطات ومنسوجات وغيرها، حتى أن بعضها وصف بأنه لا يقدر بثمن. وهى ملك لأفراد وعائلات، بعضهم أمراء، أو شخصيات مرموقة، وأثرياء، وبعضهم تجار وصائدو كنوز. ورغم اختلاف قصة كلٍ منهم ودوافعه لبناء مجموعته، لكن جمعهم الشغف للبحث عن روائع إبداعات الصناع والفنانين المسلمين على مدى قرون. ◄ أشهرها مجموعات الصباح والخليلى وكير وشانجريللا ◄ مصحف أزرق مذهب ومنسوجات فاطمية ضمن مجموعة الصباح ◄ سرج جانكيز خان وأسطرلاب شاه جهان أبرز مقتنيات خليلي ■ دوريس ديوك في هاواي مع مجموعتها من الفن الإسلامي أصحاب المجموعات الخاصة من الفن الإسلامي فوق الحصر، ولكلٍ منهم حكاية عشق لهذه الإبداعات، وقصة وراء الحصول على كل قطعة صمدت أمام الزمن، لتروى لنا حكاية تاريخ وثقافة عصرها، وتنطق بلسان فلسفة جمالية، لا تزال قادرة على أن تحرك خيالنا. ■ الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح وزوجته الشيخة حصة ◄ البروفيسور يصادف الباحث فى تاريخ الفن الإسلامى إشارات عديدة إلى مجموعة «خليلي»، ليس فقط بسبب أهميتها، ولكن أيضا توثيقها وفهرستها. وصاحب المجموعة هو البروفيسور الإيرانى الإنجليزى اليهودى السير ناصر داوود خليلي (1945)، المقيم فى إنجلترا، والمصنف عام 2007 كخامس أغنى شخص فى بريطانيا. وقد وضع قدرا كبيرا من ثروته فى تلك التحف التى يزيد عددها عن 28 ألف قطعة من الفن الإسلامي، بالإضافة لآلاف القطع عن الحج وفنون الحج مثل المحمل وكسوة الكعبة. والكثير منها مدرج ضمن موسوعات الفن الإسلامى كأعمال قيمة ونادرة. والخليلى شخص عصامى هاجر إلى أمريكا للدراسة عام 67، ثم إلى إنجلترا عام 78. وتعتبر مجموعته من أكثر المجموعات اكتمالا، وتمثيلا للعصور والمجالات المختلفة. وقد بدأ جمعها فى السبعينيات، مستغلا خبرته كباحث ومحاضر فى الفن الإسلامى، وحاصل على الدكتوراه فيه من جامعة لندن. ويرتبط ولعه بالفن الإسلامى مع إيمانه بدور الفن فى السلام والوحدة بين الشعوب والحوار بين الأديان. وتشارك مجموعته ضمن معارض ومتاحف عالمية. ومن أهمها مخطوطات للقرآن الكريم، ومنمنمات وألبومات، وكتب مجلدة، وخزف، وسجاد، ونسيج، ومجوهرات، وعناصر معمارية وأسلحة. ومن أبرزها سرج يعود للقرن 13 يعتقد أنه كان لجانكيز خان أو أحد كبار قادة جيشه، وأسطرلاب يعود إلى شاه جهان من القرن 17، وعشر صفحات من الشهنامة التى كانت للشاه الصفوى طهماسب القرن 16، ونسخة من جامع التواريخ لرشيد الدين. وقد وصفتها صحيفة «وول ستريت جورنال» بأنها أعظم مجموعة للفن الإسلامى فى الوجود. ووصفها «إدوارد جيبس»، رئيس قسم الشرق الأوسط والهند فى دار ثوسبى، بأهم مجموعة للفن الإسلامى فى أيدٍ خاصة، وأن قيمتها لا تقدر بثمن. ■ وعاء خزفي يرجع للقرن 11 الميلادي كان من مقتنيات هاكوب كيفوركيان ◄ هوية تعتبر مجموعة الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح (1948-2020) وزوجته الشيخة حصة صباح السالم الصباح واحدة من أقيم وأكبر المجموعات الخاصة للفن الإسلامى عربيا وعالميا. وكان الدافع وراء جمعها هو ارتباط أصحابها الوجدانى والجمالى بالهوية العربية والإسلامية. وعُرف عنهما أدوار بارزة فى مجال الثقافة عربيا وإسلاميا وعالميا، كالعضوية الفخرية فى مجالس أمناء أكبر المتاحف العالمية. والمجموعة معارة بشكل دائم لدار الآثار الإسلامية بالكويت التى تأسست لأجلها عام 1983. وتضم حوالى 30 ألف قطعة، تمتد جغرافيا من إسبانيا إلى الصين، وتاريخيا من القرن السابع حتى القرن 19 ميلاديا. وقد بدأت رحلة جمعها فى سبعينيات القرن الماضى. وتكتسب أهميتها من قطعها القيمة والنادرة، ومنها مصحف أزرق من القرن التاسع عشر مغطى بالذهب، وأوانٍ من القرن الثامن، ومنسوجات فاطمية، وأوانٍ سامنية من القرن العاشر. كما تضم مكتبة للكتب النادرة والمراجع حول الفن الإسلامى. وتتنوع بين مجوهرات وأعمال الزجاج والحجر والعاج والمعادن والخزف والنسيج والمخطوطات القرآنية والعلمية. كما تضم أعمالا تنتمى للحضارات القديمة كالهلنستية والبيزنطية وغيرها مما يرتبط حضاريا بنشأة وتطور الفنون الإسلامية. وقد تعرضت المجموعة للنهب خلال غزو صدام حسين للكويت عام 90، قبل إعادتها مرة أخرى بعد أن فُقد وتُلف بعضها. ولا تزال أكثر من ستين قطعة قيمة مفقودة منها. ■ إدموند دي أونجر صاحب مجموعة كير للفن الإسلامي ◄ مجموعة «كير» فى خمسينيات القرن الماضى بدأ «إدمون دى آنجر» (1918-2011) فى لندن تكوين مجموعته من الفن الإسلامى. وخصص لها قصر «كير» الذى ظلت المجموعة تحمل اسمه. وكان صاحبها قد فر من موطنه «المجر»، وحل لاجئا على إنجلترا، واضطر للعمل خادما، قبل أن يصبح مطورا عقاريا مرموقا وجامعا شغوفا للأعمال الفنية الإسلامية. ومن المثير أن بداية شغفه بالفن الإسلامى بدأت وهو فى السادسة مع السجاد، حيث كان والده يتاجر فيه. وعنه قال: «كان أبى انطوائيا، ولذلك فرح باهتمامى، وصار يصحبنى معه إلى المتاحف وصالات المزادات.» وبعدما استقرت أموره فى لندن، استعاد شغفه القديم بادئا من الصفر. وكان زملاؤه وقتها يطلقون على مقتنياته اسم «الخرق المتآكلة». ومن السجاد انتقل للمنسوجات الفاخرة والحرير والمخمل والديباج الإسلامى، ثم جمع الخزف الإسلامى الذى وصفه بالدقة والدفء، وخصوصا الخزف المصرى الفاطمى اللامع ذو البريق المعدنى. ■ من مجموعة الشيخ ناصر صباح الأحمد وزوجته الشيخة حصة ووصفه بأنه أعظم ما قدمه الخزافون المسلمون للبشرية. كما انبهر بأعمال الكريستال الصخرى النادر والفاطمى أيضا، الذى كان يقتصر اقتناؤه على الخليفة وحاشيته المقربين، لكلفته العالية. وقد تفرقت هذه القطع خلال الشدة المستنصرية، ووصل بعضها لكنائس أوروبا فى العصور الوسطى. وجمع «دى آنجر» الكثير منها ممثلا فى أوانٍ ومنحوتات. وأهمها إبريق فاطمى يرجع إلى القرن 11، موضوع فى حامل إيطالى مطلى بالذهب والمينا يرجع للعصور الوسطى. وحصل عليه نجله فى مزاد عام 2008 بمبلغ 3 ملايين جنيه إسترلينى. وكان هذا الإبريق قد عُرض من قبل فى صالة مزادات فى «سومرست» جنوب غرب إنجلترا على أنه قنينة نبيذ فرنسية فاخرة ترجع للقرن 19، بسعر تقديرى يتراوح بين 100 إلى 200 جنيه إسترلينى، قبل أن يكتشف الخبراء حقيقته، كقطعة نادرة من الفن الإسلامى، وبيع وقتها بأكثر من 200 ألف جنيه إسترلينى، قبل أن يشتريه «دى آنجر» بثلاثة ملايين جنيه إسترلينى. وقُدر من طرف لجنة حكومية فيما بعد بأكثر من 20 مليون جنيه إسترلينى. وتبقى القصة الأكثر إثارة غامضة حول رحلة هذا الإبريق من قصور الفاطميين بالقاهرة إلى إيطاليا، ليتم عمل الحامل المذهب البديع له. وتضم المجموعة منحوتات من العاج، وقناديل وثريا مملوكية ضخمة، إلى جانب السجاد والمنسوجات النادرة. ■ من مقتنيات دار الآثار الإسلامية بالكويت مجموعة الشيخ ناصر صباح الأحمد وزوجته الشيخة حصة ◄ صائدو الكنوز ورثت «دوريس ديوك» (1912-1993) 50 مليون دولار عندما كانت فى الثانية عشرة، ولُقبت بأغنى فتاة فى العالم. عاشت حياة صاخبة مثيرة للجدل، ولاحقتها الصحافة. وبعد زواجها الأول قامت بجولة فى الشرق، وبعدها بنت منتجعا أسطوريا فى هاواى سمته «شانجريللا» وبدأت فى تزيينه بروائع الفن الإسلامى التى قامت بجمعها على مدى حياتها، وحملت مجموعتها اسم منتجعها. كانت متعددة الاهتمامات، وغريبة بعض الشيء، حيث قامت بالعمل فى مصر فى مقصف للبحارة خلال الحرب العالمية الثانية براتب دولار واحد فى السنة، كما عملت كعازفة بيانو مع فرقة للجاز، وحاولت أن تحترف الرقص، وكانت تهوى البستنة وركوب الأمواج. لكن بقيت مقتنياتها من الفن الإسلامى أهم ما قامت به المليارديرة التى بلغت ثروتها عند وفاتها 1.2 مليار دولار. رحلتها المثيرة مع جمع الآثار الإسلامية بدأت عندما كانت فى الثانية والعشرين. وبلغ عدد مجموعتها أكثر من 4500 قطعة، وضمت أعمالا من مصر والمغرب وسوريا وإسبانيا وإيران والهند وآسيا الوسطى. كما حصلت على عديد من القطع المباعة من مجموعة «وليام راندولف هيرست»، جامع التحف وأحد أهم أقطاب الصحافة الأمريكية الشعبية والصفراء، بعد تعرضه للإفلاس. وضمن مجموعتها قطع شديدة الندرة مثل زوج من السجاد المغولى ذى الأشكال، والوحيد الباقى من نوعه فى العالم، ومصباح سلجوقى نادر، ولوحات فسيفسائية. أما درة مجموعتها فمحراب فارسى يرجع للقرن 13، وصفه المؤرخ الفارسى «أبو القاسم» مطلع القرن 14 بأنه يعكس كالذهب الأحمر ويضيء كنور الشمس. كما وصف من قبل خبراء بأنه أهم قطعة إسلامية موجودة فى أمريكا الشمالية. وضمت مجموعتها أيضا صفحات من مخطوط قرآنى قديم يرجع للقرن التاسع الميلادى، مكتوب بالخط الكوفى. أما «هاكوب كيفوركيان» «1872-1962» فكان عالم آثار أمريكيا أرمينيا، وجامعا للتحف. أجرى الحفائر فى الشرق، وأقام المعارض لمكتشفاته فى نيويورك، وكون مجموعة كبيرة تضمنت أبوابا خشبية نادرة وكتبا وسجادا ومنمنمات وغيرها. وحصل من أحد المزادات عام 1929على ألبوم أطلق عليه متحف متروبوليتان اسم «شاه جهان». وقد ورد اسم «كيفوركيان» ضمن دراسة حول تسليع الآثار الإسلامية أعدتها «مرسيديس فوليه» وقالت إنه أحد من نقلوا تجارة الآثار الإسلامية من القاهرة ودمشق إلى لندن وباريس ونيويورك.