■ كتب: حسن حافظ الحديث عن مكانة المسجد الأقصى في الإسلام حديث خرافة، ولا أساس له، ما حدث أن الأمويين هم من اخترعوا هذه المكانة في أثناء الصراع مع خصومهم السياسيين لتأكيد شرعيتهم في الشام، بينما ذهب بعض الشيعة إلى أن المقصود بالمسجد الأقصى هو مكان في السماء لا وجود له فى الأرض. وبين هذه الأقاويل وتلك، تبقى محاولات البعض للاجتزاء والجرى على محاولات بائسة لمغازلة الصهيونية العالمية عبر الترويج لفهم مغلوط ومبتسر يتبع الهوى، على أمل تقديم خدمة للصهيونية العالمية لعل صاحب هذا الرأي يحصل على جائزة هنا أو هناك، عبر الترويج لشواذ الآراء لنفي قدسية ومكانة بيت المقدس والمسجد الأقصى وقبة الصخرة عند المسلمين وتسليمها لقمة سائغة للاحتلال الصهيوني. وهو أمر ثابت البهتان ولا يقال عنه أمام قوة الأدلة التاريخية والأثرية إلا أنه عبث صبيان وترديد أباطيل كهان. ◄ مكانة القدس في الإسلام مخترعة من أحاديث وضعها الأمويون فى صراعهم مع خصومهم! ◄ متصهينة العرب مضوا على خطى مزاعم مؤرخ صهيونى لنسف مكانة المسجد الأقصى عند المسلمين خلال السنوات الأخيرة دأب بعض الأشخاص الذين لا علم لهم بالتاريخ، ولا لهم فيه شهادة تعتبر، على الظهور للإدلاء بآراء شاذة لا هدف لها إلا مغازلة الصهيونية العالمية، عبر التشكيك فى مكانة المسجد الأقصى وبيت المقدس كلها فى التراث الإسلامي، وهو ما يعد انتصارا للمزاعم اليهودية التى تقول بنفس الكلام من نفس المنطلقات لنفى عروبة القدس، والتأكيد على يهوديتها المزعومة، الخطاب الصهيونى الذى تبناه بعض العرب للأسف، يقوم أساسا على الزعم بأن لا مقدسات للمسلمين فى القدس الشريف، وأن الحديث عن المسجد الأقصى الذى يعد ثالث الحرمين عند المسلمين ليس هو الواقع فى بيت المقدس بل هو مسجد آخر يقع فى منطقة الطائف القريبة من مكةالمكرمة، وأن هذا المسجد هو المقصود فى واقعة الإسراء، أما المعراج إلى السماء فأصحاب هذا الرأى المخذول لا يعترفون به. ◄ كلام «متصهين» التيار العربى المتصهين وهو يزعم انه جاء بفتح في البحوث، وأن ما يقوله هو خلاصة عصف ذهنى ومجهود بحثي، هو في الحقيقة هو نغمة على أصل نشاز جاء به بعض المؤرخين الصهيونيين الذين يستخدمون التاريخ للانتصار للقضية الصهيونية، عبر تأويل الوقائع واختراعها من أجل نفى حقوق العرب التاريخية فى فلسطين واختراع صلة لا أساس لها للوجود اليهودى فى الأراضى الفلسطيني، فالرأى الذى جاء به بعض متصهينة العرب، هو فى الحقيقة رأى للمؤرخ الصهيونى مردخاى كيدار، ولكى يعطى البعض مصداقية لما يقول من تخاريف غير علمية، وضع أسماء مؤرخين مسلمين كبار من أمثال الطبرى والواقدى فى السياق، وعزا لهما مثل هذا القول. بالرجوع إلى المصادر الأصلية التى كتبها الواقدى المتوفى سن 207ه/ 823م، والطبرى المتوفى سنة 310ه/ 923م، نجد أن لا أصل لمثل هذه الأكاذيب فى كتبهما، بل على العكس نجد كل التأكيد على المكانة الخاصة لبيت المقدس، وهى المدينة الوحيدة التى تحرك خليفة المسلمين وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب للإشراف على فتحها بنفسه، تقديرا للمكانة السامية للمدينة فى الإسلام. والرواية التى يعتمد عليها المزورون الجهلة فى كتاب الواقدى عن المغازي، تقدم النموذج الواضح لمحاولة تأويل النصوص بحسب الهوى، إذ يقول الواقدي: «وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى الجعرانة ليلة الخميس لخمس ليال خلون من ذي القعدة، فأقام بالجعرانة ثلاث عشرة، فلما أراد الانصراف إلى المدينة خرج من الجعرانة ليلة الأربعاء لاثنتى عشرة بقيت من ذى القعدة ليلا، فأحرم من المسجد الأقصى الذي تحت الوادي بالعدوة القصوى، وكان مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا كان بالجعرانة- فأما هذا المسجد الأدنى، فبناه رجل من قريش واتخذ ذلك الحائط عنده». هكذا استغل بعض ضعاف النفوس مسمى المسجد الأقصى ليبدوا ما فى أنفسهم، دون بذل أى جهد أو محاولة لفهم النص والسياق التاريخى الذى جاءت الرواية فيه، فلم يظهر للعلن إلا جهل من قال بهذا الرأي، فالتاريخ هنا حاكم فالرواية التى أوردها الواقدى تتحدث عن واقعة جاءت بعد غزوة حنين فى السنة الثامنة للهجرة وبعد فتح مكةالمكرمة. ◄ الحقيقة ومن المعلوم والثابت في جميع المصادر الإسلامية أن واقعة الإسراء والمعراج وقعت فى سنوات ما قبل الهجرة، وأن المسجد الذى فى الجعرانة والذى صلى النبى فيه، عندما جاء فى عمرة الجعرانة بعد غزوة حنين، تم بناؤه بعد الهجرة ولم يكن موجودا وقت حادثة الإسراء والمعراج من الأساس، وواضح من نص الرواية أنه يميز بين مسجدين قريبين من بعضهما أحدهما الأقصى والثانى الأدنى، أى الأقرب والأبعد فى مكان الجعرانة ذاته أى أنه تمييز في الرواية نفسها بين المسجدين، ولا يطلق مسمى المسجد الأقصى كاسم علم إلا على المسجد الذى في بيت المقدس، وهو ما ذكره الواقدى فى الرواية التي نقلها عنه تلميذه ابن سعد، والتي نص فيها صراحة على أن الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم كان إلى بيت المقدس، فهنا نصوص الواقدى واضحة إلا عند من في قلبه مرض. ثم إن لا عقل فى عدم تصديق كفار قريش للنبي في قوله بالإسراء والمعراج، إذا كان المقصود هو مسجد الجعرانة، لأنها قريبة من مكةالمكرمة لا يفصلها عنها إلا ساعات قليلة، فلو قال قائل إنه ذهب إليها وعاد فى الليل لما أخذ عليه أحد ولا اعترض معترض، فهو أمر جائز شائع بين أهل مكة، وإنما كان عدم قبولهم لقول محمد بن عبد الله، وهم يظنون أنه ليس بنبي، لاستبعاد المسافة التى تقطع فى شهر ذهابا وشهر إيابا، وهو أمر ينطبق على الرحلة إلى بيت المقدس، لذا جاء الإسراء امتحانا لبعض المسلمين الذين شكوا فى الأمر، حتى صدح الصديق أبو بكر مصدقا للرسول، الذى قدم صورة رائعة لثبات المؤمن المسلم لربه بقوله عن حديث النبى بالإسراء والمعراج: «لئن قال فقد صدق». والمصادر المبكرة كلها مجمعة على أن الإسراء كان للمسجد الأقصى ببيت المقدس، كما هو حال ابن إسحاق، وابن هشام والطبرى وغيرهم من المؤرخين. ◄ أكبر كذبة ولإكمال الرواية الكاذبة التى تسعى لنفى مكانة المسجد الأقصى، يزعم بعض المؤرخين الصهاينة ومن مشى على خطاهم من العرب المتصهينة، أن بناء المسجد الأقصى جاء باختراع أموي، وبدأت شائعة أن الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان بنى قبة الصخرة لكى ينقل الحج من الحجاز إلى الشام من عند المؤرخ الشيعى اليعقوبى فى تاريخه، إذ يقول: «ومنع - أى عبدالملك - أهل الشام من الحج إلى مكة، وبنى قبة الصخرة فى بيت المقدس، وعلق عليها ستور الديباج، وأقدم لها سدنة، وأخذ الناس بأن يطوفوا حولها، بدلا من الكعبة، وأقام الناس على ذلك أيام بنى أمية»، وهو هنا يتحدث عن قبة الصخرة، ومع التحليل التاريخى ثبت أن هذه الرواية لا أساس لها وضعيفة ووضعت فى سياق عداء الشيعة للأمويين، وأن أول بناء للمسجد الأقصى بإجماع المؤرخين هو الخليفة الراشد عمر بن الخطاب عندما تسلم مدينة بيت المقدس عند فتحها فى العام 15 من الهدرة النبوية، وأن عبد الملك أجرى توسعات على البناء الأصلى وأعاد بناءه، وقد استكمل ابنه الوليد بن عبد الملك عملية البناء. وبعد هذا الاستدلال التاريخى العقلى ونسف أوهام الصهيونية وأذنابها، نعود إلى تقرير النصوص الدينية التى تقطع بمكانة المسجد الأقصى، وواقعة الإسراء، فى قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ «الإسراء: 1». فالمسجد الأقصى بارك الله سبحانه وتعالى حوله، كما أن هذا المسجد هو أولى القبلتين، فقد صلى إليه المسلمون منذ بدء البعثة النبوية ثم ل 17 شهرا بعد الهجرة، حتى جاء الأمر الإلهى بالتحول إلى المسجد الحرام، ومما يدل على فضله من السنة المطهرة ما رواه مسلم فى صحيحه، عن النبى قوله: «تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدى هذا»، وفى رواية أخرى: «لا تشد الرّحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام وإلى مسجدى وإلى بيت المقدس»، وفى رواية عن الصحابى أبى ذر، قال: «قُلت يا رسول الله أى مسجد وضع فى الأرض أولًا؟ قال: المسجد الحرام. قال: قلت ثم أي. قال: المسجد الأقصى، قال: قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة. قال: فأيهما أدركتك الصلاة فصلّ فهو مسجد». ◄ تغييرات مذهبية هناك أمر أخير يجب لفت الأنظار إليه، وهو أن بعض فقهاء الشيعة يرى أن المسجد الأقصى المقصود فى أول سورة الإسراء، هو البيت المعمور الذى فى السماء، وليس المسجد الأقصى فى بيت القدس، وقد قال بهذا القول الفيض الكاشانى فى كتابه (الصافى فى تفسير كلام الله الوافي)، وهى تفسيرات سياسية قصدها حرف المكانة من بيت المقدس إلى النجف حيث مرقد الإمام على بن أبى طالب، وكربلاء حيث مرقد الحسين الشهيد، بالقول إن المقصود فى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بشد الرحال إلى المساجد الثلاثة، الحرمين الشريفين فى مكةوالمدينة ومشهد الحسين، وهو رأى بائن التهافت والسقوط ولا أساس له من عقل، إنما أملته النزاعات السياسية والتنافس المذهبى فلا تستحق أن تناقش إلا من باب المكايدة فى إطارها التاريخي.