تحل الذكرى السادسة والثلاثون لعودة آخر شبر من أرض سيناء، "طابا"، بعد معركة دبلوماسية وقانونية استمرت لسنوات، لترفع راية الحق فوق أرض الفيروز. لم يكن الانتصار في ساحة القتال فقط، بل كان أيضًا انتصارًا للعقل والمنطق، حيث لعبت الوثائق التاريخية والجغرافية الدور الحاسم في إثبات مصرية طابا. خاضت مصر معركة قانونية شرسة أمام محكمة التحكيم الدولية، مدعومة بحجج قوية وأدلة دامغة، لتسطر واحدة من أهم فصول الصراع من أجل استعادة الأرض المسلوبة. معركة الحق والوثائق بداية الأزمة ومحاولات التزييف يشير الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار ب المجلس الأعلى للثقافة، إلى أن النزاع حول طابا كان يدور حول مساحة صغيرة تبلغ 1020 مترًا مربعًا، لكنها كانت ذات أهمية استراتيجية لإسرائيل، حيث اعتبرتها امتدادًا لمدينة إيلات. حاول الجانب الإسرائيلي فرض أمر واقع عبر بناء منشآت سياحية واستثمارات في المنطقة، في محاولة لإثبات استحالة عودتها لمصر. لم تتوقف المحاولات الإسرائيلية عند هذا الحد، بل عمدوا خلال فترة احتلالهم من 1967 إلى 1982 إلى تغيير معالم المنطقة جغرافيًا، حيث أزالوا "أنف الجبل" الذي كان يصل إلى خليج العقبة، واستبدلوه بطريق يربط إيلات بطابا، في محاولة لطمس أي علامات تشير إلى الحدود المصرية الأصلية. اقرأ أيضًا | a href="https://akhbarelyom.com/news/newdetails/4573657/1/%D9%85%D8%AD%D9%84%D9%84%D9%88%D9%86-%D8%A8%D9%86%D8%AF%D9%88%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%84%D9%84%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%B4" title="محللون بندوة "الأعلى للثقافة": انتصار العاشر من رمضان قلب الموازين"محللون بندوة "الأعلى للثقافة": انتصار العاشر من رمضان قلب الموازين تشكيل لجنة الدفاع المصرية في 13 مايو 1985، صدر قرار بتشكيل اللجنة القومية العليا لطابا، التي ضمت نخبة من أبرز الخبراء القانونيين والجغرافيين والتاريخيين. تحولت هذه اللجنة لاحقًا إلى هيئة الدفاع المصرية في قضية طابا، التي أدارت النزاع باحترافية كبيرة، مستندة إلى أدلة قوية، كان أبرزها الوثائق التاريخية، التي شكّلت 61% من إجمالي الأدلة المقدمة للمحكمة. لم يقتصر البحث على الوثائق التي تغطي فترة الانتداب البريطاني على فلسطين (1922-1948)، بل امتد إلى القرن التاسع عشر وما بعد عام 1948 حتى نكسة 1967، حيث تم جمع الوثائق من مصادر متعددة، منها دار الوثائق القومية بالقلعة، دار المحفوظات العامة في لندن، دار الوثائق في الخرطوم، دار الوثائق بإسطنبول، ومحفوظات الأممالمتحدة بنيويورك. لحظة الحسم والانتصار المصري كان من أبرز الأدلة الحاسمة في القضية العثور على القاعدة الحجرية للعلامة الحدودية رقم 91، التي حاول الإسرائيليون إخفاءها، إلى جانب العثور على العمود الحديدي الذي يحمل الرقم ذاته، والذي أزيل حديثًا. هذا الدليل أربك الجانب الإسرائيلي، لكنه لم يمنعهم من المماطلة حتى الموافقة على التحكيم في 13 يناير 1986. وجاء يوم النصر يوم 29 سبتمبر 1988، عندما أصدرت محكمة التحكيم الدولية حكمها التاريخي بأغلبية أربعة أصوات مقابل صوت معارض واحد من القاضية الإسرائيلية. أكد الحكم أن موقع العلامة 91 يتوافق مع المطالب المصرية، وهو ما أدى إلى استعادة طابا رسميًا، ورفع العلم المصري عليها في 19 مارس 1989، ليكون هذا اليوم شاهدًا على انتصار الإرادة المصرية. اقرأ أيضًا | فرحة استرداد طابا في عيون القبائل: نقف خلف «السيسي» للعبور إلى المستقبل رمز النصر وإرث القضية يحتفظ الدكتور عبد الرحيم ريحان بثلاث ثمرات من الدوم، وجدها تحت شجرة دوم طابا بعد عودتها. كانت هذه الشجرة بالنسبة له رمزًا للمقاومة والصمود، حيث كان ينظر إليها بحسرة خلال الاحتلال، متمنيًا أن يحين اليوم الذي يستظل بها المصريون من جديد. وبعد عودة طابا، دخل الدكتور ريحان إلى المنطقة ليحقق أمنيته، وأهدته الشجرة ثلاث ثمرات، اعتبرها رمزًا للبطولة والدبلوماسية المصرية التي استعادت الحق بوثائق لا تقبل التشكيك، لترسم واحدة من أنصع صفحات التاريخ الوطني المصري.