ثمة ما يؤشر إلى أن جيش الاحتلال ذاهب في حربه على غزة إلى الخطوة الأخيرة ما قبل الهاوية، ولعل استئناف قوات الاحتلال «المقتلة» - حسب وصف الجامعة العربية - خير شاهد على أن نتنياهو وحكومته يغمضون أعينهم عن مآلات عودة آلة القتل مجددا في قطاع غزة. يلفت الانتباه أن توقيت غارات الفجر إيذانًا بعودة القتال في غزة، يكشف عن طبيعة نفوس "هؤلاء" البشر المتعطشة لسفك الدماء العربية الفلسطينية، والتي لا تراعي حرمة الشهر الحرام. لا يُخفى على أحد أن نتنياهو بذل جهودًا حثيثة من أجل استئناف القتال في غزة، غير عابئ بمصير أسراه داخل القطاع، في دلالة لا تخطئها عين استمراره على رأس الحكومة أهم من حباة الإسرائيليين. تم توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار متضمنًا 3 مراحل رئيسية، على أن يتم في نهاية المرحلة الثالثة إنهاء الحرب والبدء في إعادة إعمار القطاع بصورة كاملة. منذ الأسبوع الأول لم تدخر جهدًا في وضع العراقيل أمام الوسطاء بذرائع وحجج واهية، في محاولة لتحقيق مكاسب غير منصوص عليها في الاتفاق. سارت الأمور بطريقة أو أخرى خلال المرحلة الأولى لاتفاق، ومع الاستعداد لجولة المفاوضات الثانية، انقلب نتنياهو على اتفاقه السابق وبدأ في التخطيط لاستئناف القتال مستغلًا الدعم الأمريكي غير المحدود الرامي إلى تصفية القضية الفلسطينية. استئناف حكومة الاحتلال القتال في غزة يقف خلفه عددة عوامل، أبرزها تعثر المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار. رغم محاولات الوسطاء "حلحلة" الأزمة، وهو الأمر الذي يتذرع به نتنياهو للعودة للخيار العسكري في محاولة لفرض شروطه بالقوة. إلى جانب ذلك، تأتي هذه العمليات في سياق الضغوط الداخلية التي يواجهها نتنياهو. فمع تصاعد الانتقادات الداخلية بشأن طريقة إدارة الحرب وتزايد المطالب بانتخابات مبكرة، يسعى نتنياهو إلى استعادة زمام المبادرة عبر تصعيد عسكري قد يعزز موقفه السياسي. كما أن استمرار وجود فصائل المقاومة القادرة على تنفيذ عمليات ضد القوات الإسرائيلية، يثير قلق المؤسسة الأمنية في تل أبيب. إسرائيل ترى في استئناف القتال وسيلة لتقويض قدرة هذه الفصائل وإضعاف بنيتها التحتية. من ناحية أخرى، فإن الحسابات الإقليمية تلعب دورًا مهمًا. فإسرائيل تسعى إلى توجيه رسائل للخصوم الإقليميين مفادها أن قوتها العسكرية لا تزال قادرة على فرض وقائع جديدة على الأرض، خاصة في ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض. في المحصلة، عودة إسرائيل إلى القتال في غزة تعكس مزيجًا من العوامل الأمنية والسياسية، ما يجعل التصعيد الحالي حلقة جديدة في صراع يبدو أنه لا يزال بعيدًا عن نهايته. كاتب وباحث سياسي [email protected]