أدهشتْنى طوابير المصدومين من مخرجة عربية زارت المتحف الكبير، ثم استخدمت «مواهبها» فى استهداف حضارتنا. سبب دهشتى أن هذه الواقعة ليست الأولى، كما أن محاولات النيل من قدماء المصريين لا تقتصر على الآراء المستوردة، فهناك كتائب تطرفٍ تصاعدتْ نبرة أصحابها داخل بلادنا، عبر الأربعين عاما الأخيرة، ممن عاملوا أجدادنا - وهم أجدادهم بالمناسبة - باعتبارهم رموز الكُفر، وتعاملوا مع تماثيلهم على أنها أصنام! القائمة طويلة تشمل شيوخا يملأون السمع والأبصار، ظلّوا يروّجون لوجهات نظرهم عبر المنابر والشاشات، حتى إذا خاف بعضهم من سهام النقد، حجب كلماته لبعض الوقت دون أن يتخلى عن أفكاره.. وقد انفعلتُ ذات مرة، وواجهتُهم بمقال حمل عنوان «لكم دينكم ولنا تاريخنا»، بعد أن تحدث واحدٌ من كبارهم ذات برنامج، عن «جثة» رمسيس الثانى، وقال بكل ثقة إنها تخص فرعون موسى! هنا ينبغى التأكيد على أن الدين محل احترامنا جميعا، غير أن الفهم الخاطئ يخلق مسارات متطرفة تخص أصحابها فقط، لكنها تمتد لتنال من كل أمور حياتنا، ولا تستثنى تاريخا يحتفى به العالم، بينما يخرج منّا من يحاولون تشويهه، ويعتمدون النقل منهجا بعيدا عن تشغيل العقل، رغم أنهم لو فعلوا لاكتشفوا أن نفْى أحد شرايين الحضارة سوف يفتح أبواب التشكيك فى بقية منابعها، ولن أشغل نفسى بالكتابة عن فضل المصريين القدماء على العالم، حتى فيما يتعلق بالأخلاق والعقائد، فهو مسجل بآلاف الدراسات والكتب. محاولات ربط القصص الدينية بملوك مصر القديمة لا تنتهى، وتحديدا عندما يتعلق الأمر بخروج بنى إسرائيل، والسبب معروف لا يجهله إلا من يقعون فى فخٍ جرى الترتيب له بعناية، لهذا تنتابنى السعادة عندما أتابع الهجمات المرتدة، من شباب يمتلكون الوعى والغيرة على تراثنا المستهدف، لكننى أتحفظ على نبرة خوف تنتاب بعضهم، من أن تنال الدعاوى الباطلة من عظمة حضارتنا. لقد صمدت هذه الحضارة لآلاف السنين، ولن تنال منها أبدا «مواهب» المتآمرين!