أتابع يوميا الى حد ما المشاكل والتجاوزات والمشاحنات المنشورة عبر صفحات السوشيال ميديا، وآخرها بالطبع تعدى مجموعة من الأشخاص على ضابط شرطة بمدينة قنا فى قلب صعيد مصر، تلك الواقعة بتفاصيلها وغيرها الكثير، تؤكد أن السوشيال ميديا وسلوك الناس خلالها يحتاج مجلدات من البحث والفحص والتمحيص، وكالعادة استغل البعض تلك الواقعة لتوظيفها سياسيا للإساءة إلى جهاز الشرطة بل ولمصر كلها، وتصوير ما حدث بأنه رد فعل لتجاوز الضابط، رغم ان الفيديو أوضح جليا ان الرجل لم يفصح عن هويته، بل ربما لعوامل نفسية واجتماعية وأسرية يعلمها أهل الصعيد حرص على إخفاء هويته متمنيا انتهاء الواقعة دون علم أحد، ولو كان بمهمة عمل لاستخدم سلاحه أو لوّح به دفاعا عن نفسه، أو أخرج جهاز اللاسلكى مستدعيا ولو من قبيل التهديد ليتوقف هذا العبث. بعيدا عما سبق، فقد استوقفتنى نقاط جوهرية بتلك الواقعة أعرض منها ما تتيحه مساحة المقال، وهى استمرار لمؤشرات خطر كثيرة حول ما نحن به من انهيار أخلاقي، النقطة الأولى خاصة بأخلاقيات كانت راسخة خاصة بالصعيد أعرفها بصفتى أشرف بالانتماء للصعيد، فلم يكن من الرجولة بل سبة أن يتجمع أكثر من شخص للاعتداء على فرد أعزل، فهل تغيرت تلك المعايير ومتى وكيف ليتجمع كل هؤلاء متباهين بالضرب المبرح لفرد أعزل؟! النقطة الثانية الكارثية تتمثل فى هذا التبلد الذى أصاب المواطنين وتكشفه تلك الواقعة وغيرها من فضائح السوشيال، الكل يقف متفرجا على مجموعة أشخاص يتجمعون لضرب رجل واحد، هذا فى عرف الصعايدة خطأ وخطيئة، وكان المعروف إما أن يتجمع الناس لنصرة الفرد الأعزل، أو فى أضعف الإيمان حمايته ودفع أذى الآخرين عنه، لكن بتلك الواقعة استمر اعتداء عمال المحل وصاحبه على الرجل لمدة قبل أن يتدخل لإنقاذه، كما بالفيديو، رجل أربعينى او خمسينى مازالت طيبة الصعيد ونخوته نابضة بداخله. ناهيك عن نقطة ثالثة، أصبح «عادى خالص» أن تترك الناس المشاجرة تتطور ربما لحد القتل ويستمر الكثيرون فى تصويرها بالفيديو وربما يحزنون لانتهائها سريعا قبل أن يكتمل الترند، فإلى أى انهيار أخلاقى أكثر نتجه؟!