يعانى الأطفال والشباب في مجتمعنا التنمر بمختلف أنواعه، وهو أحد أشكال العنف الذى يمارسه شخص أو مجموعة ضد شخص آخر بطرق مختلفة سواء لفظيًا أو الاعتداء عليه بدنيًا أو حتى بالترهيب والتهديد، وارتبطت مؤخرًا ظاهرة التنمر بعدد من الوقائع التى انتهت بالانتحار، كما أكدت إحصائيات منظمة اليونيسيف - المعنية بحقوق الطفل - تواجده بكثرة بين الأطفال والمراهقين ما يدعو إلى التكاتف لمحاربة هذه الظاهرة ودعم الدولة في جهودها ضد التنمر. ◄ ضرورة إصغاء الأهل لأبنائهم وتعزيز الجانب الديني والأخلاقي ◄ خبراء ينصحون بتجنب نشر الصور الشخصية عبر مواقع التواصل يعد التنمر من الظواهر التى قد تودى بحياة الإنسان وتعرِّض حياته للخطر، لذا تسعى الدولة جاهدة لمحاربة التنمر من خلال تغليظ العقوبات والاهتمام بالتوعية بعد تنامى الظاهرة خلال الآونة الأخيرة، وفقًا لمنظمة اليونيسيف فهناك نحو 130 مليون طالب فى جميع أنحاء العالم يتعرضون للتنمر، بمعدل واحد من كل 3 طلاب فى الأعمار ما بين 13 إلى 15 عاما يتعرضون للتنمر، لتحتل الظاهرة داخل المدارس نسبة كبيرة قد تؤدى إلى نتائج كارثية مثلما شاهدنا ومر على أسماعنا العديد من الوقائع التى اهتزت على آثارها قلوبنا خوفاً على أطفالنا وشبابنا. ◄ ضحايا التنمر رودينا أسامة (16 عامًا) طالبة بالصف الأول الثانوى، هى إحدى ضحايا التنمر، التي أثارت قصتها مشاعر الآباء والأمهات ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، حيث سيطر عليها الحزن وتوفيت إثر أزمة قلبية بعدما تنمر عليها زملاؤها فى المدرسة بأقوال منها: «أنت وحشة، إزاى مستحملة شكلك دا». وأثبتت التحقيقات أنه قبل ساعات من وفاة رودينا وقعت مشادة كلامية داخل المدرسة مع زملائها لتعرضهم لها بألفاظ مسيئة وسخرية وتنمر على شكلها وكتابة هذه العبارات على المقعد الخاص بها داخل الفصل، وبعد عودة الطالبة للمنزل اشتكت لأختها الكبرى وأكدت الأخيرة أنها ستتقدم بشكوى لإدارة المدرسة، إلا أن القدر كان له رأى آخر لتسقط رودينا مفارقة الحياة نتيجة أزمة قلبية. كما كانت محافظة الغربية شهدت حادثة مفجعة حين انتحر الطالب أدهم جميل بتناول حبة غلال سامة عقب تعرضه للتنمر من قبل زملائه بسبب ضعف بصره، فرغم تفوق أدهم الطالب بالصف الثالث الثانوى فإن تنمر بعض زملائه عليه والسخرية من قدرته على الرؤية جعلته يدخل فى حالة اكتئاب دفعته للانتحار. وأكد زملاء أدهم حينها أنه اعتكف فى منزله عدة أيام قبل الواقعة وكان يرفض الخروج مع أصدقائه أو الرد على هاتفه إلى أن سقط جثة هامدة بعدما تناول حبة الغلال السامة التى أنهت حياته فى الحال لتسقط ضحية جديدة من ضحايا التنمر. ◄ اقرأ أيضًا | مكة محمد صلاح تتعرض للتنمر في «كامل العدد» ◄ الابتزاز الإلكتروني مع التطور والتقدم التكنولوجى ظهرت أشكال أخرى من التنمر التى ترتبط بالترهيب والتهديد ويعرف ب»التنمر عبر الإنترنت» وغالبًا هذا النوع من التنمر تتعرض له الفتيات، لكنهن يفضلن عدم الإفصاح أو الإبلاغ عن التهديد الذى يتعرضن له، وفى النهاية يدفعن حياتهن ثمنًا للتنمر. وهناك قضايا عديدة أثارت جدلاً واسعا، منها ما حدث قبل عام مع نيرة الزغبى طالبة كلية الطب البيطرى بجامعة العريش، حيث أنهت حياتها بعدما تعرضت للابتزاز والتهديد من صديقة لها بالسكن الجامعى تدعى «شروق» إثر مشادة حدثت بينهما، حيث قامت الأخيرة بتصوير نيرة خلسة خلال تواجدها بدورة المياه وأرسلت الصور لطلاب بالكلية ليقوموا بابتزاز نيرة وتهديدها بنشر الصور، لتعيش نيرة بعدها حالة من الفزع والخوف، وحسب الروايات المتداولة فإنها أقدمت على الانتحار بتناولها «حبة غلة» سامة نتيجة للضغط الذى تعرضت له من زملائها. ومن بين ضحايا التنمر والابتزاز أيضًا هايدى شحتة صاحبة ال14عاما من محافظة الشرقية التى تعرضت للابتزاز الإلكترونى وفبركة صور له ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعى للحصول على مبالغ مالية منها، ما دفعها للانتحار بتناول مبيد حشرى فقدت على إثره حياتها وهى لا تزال طفلة فى مقتبل العمر. ◄ المواجهة هذه القضايا وغيرها تدق ناقوس خطر ليس من التنمر أو الابتزاز فقط، ولكن الأمر يمتد ليشمل القيم الأخلاقية التى بات يفتقدها الشباب وتدفعهم لمثل هذه الأفعال، فكيف نربى أولادنا وندفعهم بعيداً عن هذه السلوكيات؟ أحمد علام، استشارى العلاقات الأسرية، يوضح أن الابتزاز الإلكترونى هو ما يقصد به إفشاء معلومات أو أسرار أو طلب منفعة أو مصلحة وتهديد شخص ما فى مقابل شيء آخر عن طريق السوشيال ميديا، أما التنمر فقد أصبح تعريفه أوسع من قبل حسب الأممالمتحدة ليشمل الاستهزاء والسخرية من شخص آخر بأى وسيلة حتى إن كان بالتلميح أو الإشارة أو بإيحاءات غير مرحب بها من الطرف الآخر. يتابع: تختلف أسباب التنمر ولكن أبرزها أن الشخص المتنمر غالبا تكون لديه مشكلات نفسية ومنها التفاخر وشعوره بالعظمة ورغبته فى السيطرة والهيمنة على الآخرين، ومن أسبابه أيضا الخلل فى التربية وعدم نهى الطفل عن مثل هذه الأفعال والتفريق بين الصواب والخطأ ومعرفة الطفل من قبل والديه وقع فعل التنمر على الطرف الآخر والإيذاء النفسى الذى يتسبب فيه، يجب أن يعلم الطفل أننا فى البداية مختلفون ولكل منا لونه وشكله وحياة مختلفة ولا شيء يعيب صاحبه مطلقا، وعلى الوالدين دور كبير لتجنب هذا السبب، يجب عليهما أن يوضحا فى مثل هذه المواقف أمام الطفل رفضهما لذلك وعدم استحسان الأمر وتعليمه أنه من الخطأ الاستهزاء بشخص آخر وأن يكون هناك نوع من الثواب والعقاب إذا لزم الأمر. ومن الأسباب الأخرى للتنمر تقليد الآخرين سواء فى المحيط المجتمعى أو من وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك نتيجة لضعف الوازع الدينى والأخلاقي، فالمتنمر فى بعض الأحيان قد يكون ضحية للمتحرشين، ما سبب له مشكلة نفسية دفعته لفرض سيطرته على شخص آخر ضعيف بالابتزاز أو التنمر ليشعر بقوته وانتصاره. وعن مواجهة الابتزاز يوضح علام أنه يجب أن يتم إبلاغ الجهة المختصة فى المدرسة أو الجامعة أو إبلاغ السلطات المختصة كمباحث الإنترنت المسئولة عن مواجهة مثل هذه الجرائم، ويجب أن يحكى الشخص الذى يتعرض للتنمر لوالديه، وهنا يجب أن يتم توعية أولياء الأمور بأهمية سماع أبنائهم وعدم تعنيفهم أو إلقاء اللوم عليهم، بل يجب الإصغاء لهم وإعطاؤهم مساحة من الحديث وسماع المشكلة ومساعدتهم فى حلها، فأغلب الحالات التى تتعرض للتنمر أو الابتزاز كان لديهم تخوف من إبلاغ الأبوين، ما يؤدى فى النهاية لعواقب وخيمة، لكن عند إبلاغ الأهل لا بد أن يكون لدى الأب أو الأم من الوعى والفكر الحكمة للتصرف فى الأمر والإبلاغ للوصول بالمتنمر إلى أخذ جزائه سواء بالغرامة والحبس. ويؤكد استشارى العلاقات الأسرية أن نسب حالات التنمر والتحرش على مستوى العالم مرتفعة جدا وقد تصل إلى 70%، وحسب الدراسات لا يوجد شخص لم يتعرض فى حياته مرة على الأقل للتنمر أو التحرش، وفى بعض الحالات يصل الأمر إلى جرائم كالقتل أو الانتحار. ◄ التوعية هى الحل توافقه الرأى، بسمة سليم خبيرة العلاقات الأسرية: التنمر يحدث بنسب مرتفعة كما أنه موجود فى كل مكان، فقد يحدث فى المدرسة أو البيت أو النادى أو فى محيط العائلة والأصدقاء والابتزاز والتنمر من المشكلات التى يجب التصدى لها ومواجهتها، لأن التجاهل يضاعف الضرر والمشكلات النفسية التى تقع على الشخص الذى يعانى الابتزاز والتهديد، لذلك فالمواجهة هى الحل عن طريق إبلاغ المسئولين للتعامل مع المشكلة. وتؤكد ضرورة توعية وتثقيف الأطفال والشباب من طلاب المدارس والجامعات بخطر التنمر والابتزاز وكيفية التعامل فى مثل هذه الحالات، والتأكيد على أن هذه الأمور تندرج تحت أنواع العنف، وأنها بعيدة تماماً عن القيم والأخلاق واحترام الآخر، وتعليم الطفل منذ الصغر أن الجميع متساوون وأن الإنسان بمجهوده وعلمه وأخلاقه. ◄ تجنب الابتزاز يقدم مدحت عبدالهادى، استشارى الصحة النفسية وتعديل السلوك، نصيحة للأطفال والشباب، وهى عدم الإفراط فى وضع صورهم الشخصية أو معلومات عن حياتهم الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعى لتجنب الوقوع ضحية لجرائم الابتزاز والتشهير، والوقوع فى قبضة شخصيات ليس لديها قدر كاف من الاتزان النفسى وتسول لهم أنفسهم إيذاء الغير تحت أى دافع سواء كان ماديا أو للسيطرة أو أغراض أخرى، ولكن فى النهاية الابتزاز أو التنمر سلوك عدوانى يجب أن نتجنبه ونأخذ الحذر خاصة عن التعامل على مواقع التواصل الاجتماعى. ويؤكد عبدالهادى أن التطور التكنولوجى كان سببا كبيرا فى زيادة معدلات التنمر والابتزاز، حيث إنه بمثابة ساتر يخفى وراءه الكثيرون هوايتهم فى إيذاء الغير، ولأن معظم المستخدمين لشبكات ومواقع الإنترنت من الأطفال والمراهقين لا بد من تقديم الدعم المجتمعى لهم وتعليمهم كيفية حماية أسرارهم وصورهم الشخصية عند التعامل مع هذه المواقع، وكيفية دفع أى سلوك عدوانى يتعرضون له.