كاد شهر رمضان أن ينتصف. وانتصافه يذكرنا ببداياته. والطريقة التى نتصرف بها معه. فرغم أننا نعرف يوم بدايته. كان الأسلاف يقولون عنه غرة رمضان. هذا اليوم نعرفه منذ بداية السنة إلا أننا نبدو أمام ليلة الرؤية. وكأننا فوجئنا بقدوم رمضان. ترتبك الدنيا. ويهجم الناس على المحلات يشترون. ومن لا يملكون المال ينزلون إلى الأسواق من أجل الفرجة. مرة على البضائع. ومرة ثانية على من يمتلكون الأموال ويشترون. أشاهد الطرفين. وأتذكر أصداء كتاب الدكتور طه حسين القصصى: المعذبون فى الأرض. الذى كان يمثل آخر الكتابات الأدبية على مصر الملك فاروق قبل الثورة. أهدى طه حسين كتابه إلى الذين يمتلكون ما لا ينفقون وإلى الذين لا يمتلكون ما ينفقون. وإلى الذين يجدون ما لا يأكلون. والآن مضت سنوات بعد الثورة. ومازالت عبارة طه حسين ترن فى أذنى. كلما نزلت إلى الأسواق فى مصر. ويبدو أن المعذبين الذين كتب عنهم طه حسين مازالت ذكرياتهم فى أرض مصر. المهم أنه بعد صدور هذا الكتاب تم ترشيح طه حسين وزيراً للمعارف العمومية وعند عرض أسماء الوزراء على الملك فاروق. اعترض على إسم طه حسين لأنه أكبر شيوعى فى مصر. والحمد لله أن الملك فاروق لم يصر على اعتراضه. ولا على معلوماته التى لم تكن دقيقة. نعود إلى الارتباكات الرمضانية التي تحدث لنا كل عام. وحتى الآن لا أعرف ما هى العلاقة بين رمضان وارتباكات المرور. صورت الصحف حوالى عشرة كيلو مترات من السيارات المتوقفة على الطريق الصحراوى القاهرة – اسكندرية. عند مدخل القاهرة. لأن الناس اكتشفوا رمضان فجأة. لكى يصوموا فى القاهرة. هذا عن الطرق العامة. ولكن ماذا عن داخل المدينة؟ لو وصلت إلى مداخل المدينة قبل المدفع بساعة. أو حتى ساعتين. يا ويلك. فالطرق مسدودة والشوارع تتحول لجراجات مغلقة. والسيارات تقف بالساعات. ولا تمر أمام مسجد لأن تكدس السيارات وقت الصلوات الخمس يجعل المرور من الشارع مستحيلاً. ولا تقترب من أى سوق من الأسواق. رغم أن الشهر من المفترض أنه شهر الاعتكاف والعبادة والبعد عن كل مظاهر الحياة. ولكن المفترض شئ والواقع شئ آخر لا علاقة له به. الأسعار لها قصة أخرى مع رمضان. من المفروض أن هناك صيام. أى أن الاستهلاك يقل عن أى شهر آخر. ولكن انفجار الاستهلاك قد يدفع الجميع لرفع الأسعار فى ليلة الرؤيا. كان رمضان شهر الصخب والضجيج والزحام. وهو قبل كل هذا وبعده شهر المسلسلات. وهو الشهر الغريب فى المدن. المسحراتى لا وجود له. وإن مر لا يسمعه أحد. والفوانيس التى كانت تصنع فى الأحياء الشعبية من الزجاج الملون المعشق أصبحت تأتى لنا من الصين. حتى بعض التراتيل الدينية تسجل هناك. وخسرنا صناعة من الصناعات الرمضانية المهمة التى كان لها وجود فى مصر منذ زمن الفاطميين وحتى الآن. أخشى مع رمضان القادم أن نجد كنافة وبسبوسة وقطايف آتية من الصين. ستكون صناعية وليست طبيعية. وسيكون الإقبال عليها شديداً لأن كل ما يأتى من الصين يحقق للمشترى أهم ما يبحث عنه فى الأسواق وهو الأسعار الرخيصة. وأسعار الصينى كانت أرخص مما يتصور أى إنسان. فى رمضان يختصرون وقت العمل فى المصالح الحكومية والبنوك إلى أقل من النصف. ولذلك عليك أن تؤثر السلامة وتبتعد عن هذه الأماكن ولا تذهب إليها إلا فى حالة واحدة هى الضرورة القصوى. لكن ما زالت لدى المصريين بعض الأمور الجميلة التى كانت جزءاً من حياتهم فى زمن جميل مضى. لحظة الإفطار تجد من يقفون على الطرق ومعهم المياه والعرقسوس والتمرهندى وبعض الأكل البسيط يقدمونه للمارة. الذين أدركهم مدفع الإفطار وهم فى الطريق إلى بيوتهم. لكن مآدب الرحمن كانت تشكل زحاماً وعوائق للمرور. سواء كنت في بيتك أو نزلت إلى الشارع ستجد أن رمضان يقول لك: هاأنذا، بكل ما يفرضه علينا من أمورٍ مستجدة، وهناك أيضاً في الأيام الأخيرة منه على العائلات المتوسطة الاستعداد لعيد الفطر المبارك. وهناك ما لابد منه حتى عندما يأتي العيد نكون نحن في استقباله ومعنا ملابسه ومصاريفه ومستلزماته وما أكثرها. [email protected]