على مسافة لا تزيد عن 180 متراً من دفاعات العدو على الضفة الشرقية لقناة السويس، بنبل الفارس، وقف القائد الفذ يتابع بكل جسارة، يتابع ويدقق نتائج القصف المدفعي، الذى وجههته قواتنا المسلحة الباسلة ضد حصون ودفاعات جيش الاحتلال الغاشمة. اقرأ أيضا: جيل «ألفا» لا يقبل التباطؤ فهكذا كان يؤكد "الجنرال الذهبي" دائما: "مكان الجنرالات الصحيح وسط جنودهم فى الصفوف الأمامية للمعركة، وأقرب إلى المقدمة". فجأة اشتد هدير المدافع، وفتح العدو نيرانه فى محاولة لحفظ ماء الوجه ، وردا على الخسائر الفادحة أوقعها الجيش المصرى فى صفوفه، خلال المعارك التى دارت فى اليوم السابق 8 مارس 1969، مع بدء مرحلة المواجهة، والتى عرفت بحرب الاستنزاف، قفز "الجنرال الذهبى"، إلى حفرة حدثت نتيجة قذيفة، وبقي فيها يتابع ويراقب المعركة، إلى أن سقطت دانة تسببت في إصابة الفريق عبدالمنعم رياض، وحتى لا ينشغل به الرجال عن معركتهم مع العدو، كتم آلامه في صدره دون أن يشرك أحدًا فيها، حتى استشهد، وصعدت روحه الطاهرة إلى بارئها، مفارقا الحياة من على خط النار، ليخلد التاريخ اسمه بحروف من نور، وتعيش سيرته العطرة خالدة بين الأمم. الفريق عبدالمنعم رياض هو من عرف بدوره الكبير فى تنظيم صفوف القوات المسلحة المصرية، وإعادة بنائها عقب نكسة 1967، وواحدا من أبرز الذين وضعوا اللبنة الأولى تمهيدا لمعركة العزة والكرامة، حرب أكتوبر المجيدة، وليظل 9 مارس ، رمزًا خالدًا لتضحيات أبطال مصر الذين سطروا بدمائهم أروع البطولات والتضحيات من أجل صون عزة وكرامة وطننا الغالى ، تقرر تسميته ب" يوم الشهيد". المشهد المهيب الذى خرج فيه الشعب المصرى فى 10 مارس 1969 لتوديع القائد الشهيد الفريق عبدالمنعم رياض ، كان إعلانا لانطلاق معركة الثأر والشرف، التى سطرها التاريخ بدماء وتضحيات أبطال قواتنا المسلحة الباسلة، حرب العزة والشرف التى سطرتها حكايات النصر فى السادس من أكتوبر 1973، العاشر من رمضان 1393 هجريا . اعتزاز مصر واحتفالها اليوم، بيوم الشهيد، احتفالين، خاصة ونحن نستقبل معه أيضا، نسائم الانتصار والمجد الذى حققه المصريون فى العاشر من رمضان، وكسروا فيه أنف العدو المتغطرس، وقضوا فيه على وهم الجيش الذى قيل إنه لايقهر ، فقهره رجال أولو عزم وبأس شديد. عقيدة الجيش المصرى راسخة وثابتة، فهو جيش يحمى ويصون حدود وطنه ويحافظ على أمنه القومى ومقدراته، ولا يعتدى أبدا، وكلمات الرئيس الراحل أنور السادات -بطل الحرب والسلام- ستظل محفورة فى الأذهان: " حاربنا من أجل السلام.. حاربنا من أجل السلام الوحيد الذى يستحق وصف السلام، وهو السلام القائم على العدل، إن عدونا يتحدث أحيانا عن السلام ولكن شتان ما بين سلام العدوان وسلام العدل". مصر التى حاربت من أجل السلام، لا تفرط فى شبر من أراضيها، واستردت كل شبر من أراضيها بالحرب والسلام. ولأن للحق قوة رادعة تحميه فلولا القفزة الهائلة فى إعادة بناء الجيش المصرى وتطوير قدراته، والتى قادها السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، لمواجهة التهديدات والتحديات المحتملة، ما أمكن دحر الإرهاب واقتلاع جذروه من أرض الفيروز الطاهرة، وما أمكن حفظ السلام على حدودنا. مصر نبض الأمة العربية، المدافع دائما عن قضاياها، استطاعت توحيد الصف العربى دفاعا عن القضية الفلسطينية ومحاولات تصفيتها، وتواصل بشجاعة وحكمة قيادتها السياسية، السعى لإقرار رؤيتها، لضمان التهدئة فى الأراضى الفلسطينية، رؤية مبدأها التعمير لا التهجير، رؤية تتؤكد موقف مصر الثابت من دعم لقضية الفلسطينية، رؤية تحمى الشعب الفلسطينى ، وتحافظ على حقوقه المشروعة. فالمفاوض المصرى الذى أثنبت براعته فى استعادة أخر شبر من أراضينا فى طابا، يواصل بقوة فرض رؤيته لإعادة إعمار غزة، لترسيخ الاستقرار فى المنطقة وتجنيبها ويلات المغامرات غير المحسوبة، فلا سبيل سوى السلام القائم على العدل.