لا يزال العالم يعيش مرحلة الصدمة من سيل القرارات التى أصدرها ترامب فى الساعات الأولى لجلوسه على مقعد الرئيس فى البيت الأبيض، والتى استهدفت الداخل والخارج الأمريكى، بصورة غير مسبوقة، لا تتوافق مع الحد الأدنى من أدبيات السياسة الأمريكية وثوابتها التى تكاد تكون مستقرة. الجميع حلفاء قبل ما يمكن اعتبارهم أعداء، لم يتجاوزوا بعد مرحلة الإنكار لوعد التصديق لقرارات ترامب، التى تستهدف الداخل الأمريكى أولا، وليذهب الآخرون إلى جهنم، نحن إذن لسنا أمام حالة معتادة يفوز فيها رئيس أمريكى، ويذهب آخر، ولكن أمام تغيير جذرى فى النظام الأمريكى الذى استقر شكله وأسلوبه منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، أو بوصف أدق أمام إعادة هيكلة للنظام السياسى الأمريكى بشكل غير مسبوق.. نحن نعيش مرحلة استطاع فيها ترامب، وخلال أقل من ثلاثة أشهر أن ينال من ثوابت أمريكا التى تقوم على الفصل التام ما بين السلطات، وجمعها كلها تقريبا فى يده، حيث أحكم قبضته على الكونجرس، الذى تخلى عن دوره الأصيل والمتجذر فى رقابة سياسات وقرارات الرئيس، فلا صوت يعلو الآن على صوت ترامب، كما أن قبضته لم تكن بعيدة حتى عن المحكمة الدستورية العليا، بتعيينه أغلب قضاتها، وراح يقضى على كل ملامح الليبرالية الأمريكية التى كان الحزب الديموقراطى يعتبر نفسه أمينًا عليها. تحركات ترامب مُربكة للجميع، ولا يمكن التنبؤ بردود فعله تجاه قضية بعينها، حتى ولو شط بك التفكير، ظهر ذلك جليًا فى لقائه الصادم، هو ونائبه مع الرئيس الأوكرانى بحضور وسائل الإعلام العالمية، التى كانت شاهدة على حدث لم تسجل له أدبيات السياسة مثيلًا. ما يعنينا هو ما يخص المنطقة، وتحديدًا ما يتعلق منها بالصراع العربى الإسرائيلى، حيث يطرح ترامب ما يراه حلًا سحريًا للنزاع، بالقضاء على أحد طرفيه، عبر تهجيرهم خارج الوطن وتقديمه على طبق من ذهب لإسرائيل، وهو ما فاق توقعات غلاة اليمين الإسرائيلى المتطرف. مصر باعتبارها الطرف الفاعل والمحورى فى حل كل قضايا المنطقة قدمت البديل العملى القابل للتطبيق الذى يرتكز على حل الدولتين، وإعادة تعمير غزة. المحن، كما تظهر معدن الرجال، فهى أيضًا الدول الكبيرة من تلك الصغيرة بأعمالها وإن كانت كبيرة بمساحتها. فخور بمصر قائدًا وشعبًا.