حفروا أسماءهم بأحرف من نور فى سجلات شرف الوطن، قدموا تضحيات لا ينكرها جاحد، شهد على شجاعتهم القاصى والدانى، حافظوا على العهد والقسم ويمين الولاء حتى لو كان الثمن أرواحهم، وقبل كل طلعة يوم عمل جديد من أعمالهم المجيدة رسموا على قلوبهم وجه الوطن، واليوم نحاول رسم أسمائهم وكتابة بطولاتهم وإنجازاتهم.. هؤلاء الشهداء الشجعان جميعًا يستحقون أن نردد أسماءهم للأبد فهم أبطال للنهاية، فى يوم الشهيد نقدم لمحات من تلك البطولات لشهداء شجعان صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. دخلنا إلى منازلهم والتقينا بأطفالهم وزوجاتهم وأبائهم وتحدثنا إليهم.. آملين أن نصبح عنوانًا للوفاء بعهدنا معهم، تخليدًا لأسمى معانى الإنسانية والتضحية التى قدموها فى سبيل الوطن.. فكيف لنا أن ننسى مَن ضحوا بحياتهم لحمايتنا ونصرتنا، ومنحونا وطنًا حرًا يحيا بعزة وكرامة ولا يقبل خضوعًا أو مهانة.. فتحية لشهداء الوطن الذين قدموا أرواحهم فداءً لنا. الرفاعى ورياض.. المعلمان الملهمان ليلى الرفاعى: أبى أسطورة حية وثأر للجنرال الذهبى هما أكثر شهداء مصر إلهاما لغيرهم من الضباط والجنود والقادة.. تركا بصمة واضحة فى قلوب كل الشجعان من حماة الوطن.. أصبحا أسطورة حية يستشهد بها عند الحديث عن نماذج التضحية والفداء.. هما الفريق عبد المنعم رياض الذى تحول تاريخ استشهاده يوم 9 مارس من كل عام عيدا للاحتفال بيوم الشهيد.. والعميد إبراهيم الرفاعى أسطورة الصاعقة المصرية فى حرب الاستنزاف وأكتوبر. داخل منزل الشهيد المنسى أمير شهداء سيناء والكثير من منازل الأبطال الشهداء الذين تحدثنا لأسرهم وجدنا صورهما معلقة على الجدران وضمن مقتنياتهم باعتبارهما القدوة وعنوانا للتضحية وحب الوطن.. ولم نتعجب لأن هذين البطلين من الشخصيات الأسطورية التى صنعت تاريخ مصر بما قدماه من تضحية وفداءً وبطولات.. فأصبحا مصدر إلهام للكثير من الشباب، وليس فقط فى مصر، وإنما فى كل أنحاء العالم العربى. تعد شجاعة الشهيد إبراهيم الرفاعى والفريق عبد المنعم رياض من أهم الأسباب التى جعلتهما يتمتعان بمكانة خاصة فى نفوس المصريين. فقد كانا مثالًا حيًا على الشجاعة والتضحية، وتمكنا من قيادة جنودهما فى معارك ملحمية ضد العدو الإسرائيلى والذى كان يمتلك قوة عسكرية هائلة. وكان الشهيد إبراهيم الرفاعى والفريق عبد المنعم رياض يتمتعان بالثقة الكاملة من جانب جنودهما، وكانا يتوليان القيادة بحكمة وخبرة، وكانا يتميزان بالتفانى والتضحية من أجل الوطن. وهذه الصفات الرائعة هى التى جعلتهما يحظيان بتقدير الجميع، وهى التى جعلتهما أسطورة حية فى تاريخ مصر. تشرفنا بالتحدث هاتفيا إلى ليلى الرفاعى ابنة الشهيد الأسطورة وقالت لنا إن بعد نكسة 1967 أراد والدى أن ينشئ مجموعة 39 قتال من صاعقة «البحرية و الجوية» مبتكراً أساليب قتال جديدة بعمليات خاصة بالمجموعة، وكان حلم الجنود الانضمام إليها لصعوبتها وتميزها.. ونفذت المجموعة ما يقرب من 98 عملية خلف خطوط العدو، وكلما كان يصعب أمر كان يكلف الرفاعى ومجموعته به من قيادة الجيش، وكان من أهم المواقع التى قام بالقضاء عليها، الموقع الحصين «لسان التمساح» والذى خرج منه الدانة التى استشهد بها الجنرال الذهبى الفريق عبدالمنعم رياض وكان والدى فى مهمة للثأر له ولم يمر 40 يوما على استشهاد الفريق وتم قتل ما يقرب 40 جنديا إسرائيليا. رجل المهام المستحيلة وتضيف أن والدها الرفاعى صاحب الترقيات الاستثنائية، وأسطورة الصاعقة كان هو « المخطط والمستطلع والمنفذ لأى عملية مهما بلغت خطورتها»، وكانت المرة الأولى التى يرفع فيها العلم المصرى بعد حرب الاستنزاف، ذلك الوقت الذى كان يقوم الاحتلال الإسرائيلى بتطوير أسلحته واستعداده، ذهب لعُقر ديارهم، وكُلف بمهمة الحصول على عينة من الصواريخ التى تم تطويرها لديهم وبالفعل، عاد لقيادته بثلاثة صواريخ. لم يهدأ له بال فى ظل وجود المحتل على أرض الوطن، وقام بتفجير «مطار الطور» الذى استقبل جولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية. أما عن تلك العشر سنوات التى قضاها مع عائلته وكأنه يعلم بعددها .. تقول ليلى إن والدها أخبر والدتها « توافقى إنك تعيشى معايا عشر سنين » ولكونها هى الأخرى من عائلة عسكرية كانت بمثابة الأم والأب ، وكانت على يقين تام أن مايفلعه زوجها هو شموخ وعزة لا تقدر بثمن ، برغم من ذلك لم يشعر أبناؤه سوى بحنان الأب والدلال لم يفرق بين ولد وبنت «كان يعاملنا كأننا واحد ما فيش فرق» برغم من هذه الفترة كانت تتسم بعدم مخالطة المرأة فى أعمال القتال ولم ينشأ وقتها أى سلاح عسكرى للمرأة، إلا أنه كان يزرع فيهم الشجاعة وتدربيهم على رماية والقتال ومشاهدة ميادين القتال ، وكأنه يأبى أن ينتهى الأجل دون إرسال تلك الرسالة السامية إلى أجيال المستقبل ليس أبناءه أو أحفاده فقط بل للأمة العربية والمصرية كلها. فقد كان ينال من عدوه نيلاً، لم يهب الموت لحظة بل كان مقبلا عليه، حتى خاض من المعارك كان أبسطها حرب أكتوبر بالنسبة له، إنه رجل المهام المستحيلة الذى أبكى السادات رحيله. مصدر إلهام وتقول ابنة البطل الرفاعى: «بابا علمنا أن الشجاعة هى التضحية عشان غيرى وما خفش من أى حاجة طالما هى صح وأدافع عن الحق حتى وإن كانت نتيجته حياتى ». وفى النهاية، يمكن القول بأن الشهيد إبراهيم الرفاعى والفريق عبد المنعم رياض قدما روحيهما فداءً للوطن، وكانا نموذجًا رائعًا للشجاعة والتضحية، وقد تركا بصمة واضحة فى تاريخ مصر، وسيظلان مصدر إلهام للكثيرين فى الأجيال القادمة. منسى وكمال.. أمير الشهداء والصديق المستحيل الغول والعنقاء والخل الوفى.. تلك هى المستحيلات الثلاثة التى تحدث عنها الأقدمون.. لكن أحد المستحيلات رأيناه يتحقق بأم أعيننا فى سيناء.. لذلك استحقت قصة استشهاد البطلين العقيد أحمد منسى والرائد وائل كمال رفيقى السلاح فى كتيبة الصاعقة أن تكون أول قصة نبدأ بها.. إنها قصة إخلاص لله وللوطن.. الشهيد الأول العقيد أحمد منسى.. قد نكون بالفعل نسينا ذكره وتمجيده فى حياته ولكنه اليوم لا يُنسى.. اليوم هناك عمل درامى يذكر بطولته «الاختيار» وهناك كوبرى عائم يحمل اسمه وصورته يربط بين ضفتى القناة الشرقية والغربية.. الآلاف كل صباح يعبرون من عليه وهم يشاورون على صورته بالبنان.. زوجته منار سألناها لماذا منسى حاز كل هذا الحب؟ كل يوم هناك مَن يذكره بشكل لم يحدث مع أى شهيد سبقه.. قالت لأنه كان مخلصًا محبًا لغيره محبوبًا من كل مَن التقاه.. حتى أصبح يُلقب بأمير القلوب وأمير الشهداء.. أما الشهيد الثانى فهو تلميذ منسى وصديقه المخلص الرائد وائل كمال الذى كان يردد باستمرار أنا عايز أروح لمنسي.. كتب فى وصيته أنه إذا استشهد فعليهم أن يدفنوه فى نفس مقبرة منسي، وبالفعل لحق كمال بقائده وصديقه الشهيد المقدم أحمد منسى. صابر العكر شجاعة لاتزال تُروى الشهيد البطل جندى صابر العكر والذى ظل يقاتل بسلاحه دفاعًا عن أرض سيناء هو وزملاؤه حتى سقط شهيدًا وهو صائم فى يوليو عام 2015 خلال شهر رمضان الكريم.. والده أكد قائلًا: أفتخر ببطولة ابنى على أرض سيناء الغالية وسنظل نقدم أغلى ما عندنا وهى أرواحنا من أجل الحفاظ على كل حبة رمل.. وبعد أيام من استشهاده زارنى النقيب أدهم وعدد من الجنود بكمين الرفاعى، وحكوا لى بطولة صابر فى المعركة، وعند ملاحظته دخول سيارات الإرهابيين، مُحملةً بمواد متفجرة أطلق عليها طلقات RBG وتفجرت قبل دخولها الكمين، كما أنه ظل يتعامل بشجاعة مع التكفيريين فى معركة استمرت ساعتين. د. أحمد اللواح أول شهيد فى البالطو الأبيض هو ابن مدينة بورسعيد وواحد من نجوم الأطباء فيها الذى كان محبوبا عند كبار السن، فقد كان ينتقل إليهم ليخفف عنهم كان داعيا للتدابير الاحترازية، ونادى على أهل بورسعيد بالالتزام فى بيوتهم عندما اشتدت الحالة، وأخذت الكورونا تحصد ضحاياها بالمئات، ورغم تحذيراته للناس بالاتزان فقد فاجأته العدوى وهو فى عقر داره من مريض طرق بابه فجاءت نهايته على يديه بسبب العدوى ليصبح أول طبيب مصرى يستشهد أثناء محاربة فيروس كورونا. وتقول ابنته إسراء «ربنا يرحم والدى ونحتسبه عند الله من الشهداء» وقد نعاه فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف. الشحات شتا.. أنقذ حياة 700 مجند و30ضابطًا هو أحد أبطال الشرطة العسكرية، الذين ضحوا بأنفسهم فداءً لأرواح زملائه من ضباط الصف والجنود فى «الكتيبة 101»...ويقول والده بركات محمد: «اقتحم التكفيريون الكتيبة 101، بواسطة فنطاس مياه مفخخ، بداخله كمية ضخمة من مادة تى إن تى المفجرة، وكان بداخل السيارة عنصر إرهابى يرتدى حزامًا ناسفًا، وقفز العنصر الإرهابى الذى يرتدى حزامًا ناسفًا من الفنطاس، متوجهًا إلى مقر «ميس الجنود»، وعند رؤيته لشخص يتجه ناحية الميس سأله مَن أنت، فقال له إنه الصول سيد، فوجد له لهجه مختلفة وجسمه منتفخ، فعلم أنه يحمل سلاحًا ناسفًا، فقام باحتضانه والابتعاد به مسافة 100متر، لينقذ حياة 700مجند و30ضابطًا من الكتيبة، فتبعثرت أشلاؤه واختلطت برمل أرض الفيروز سيناء، ولم يتبق منه سوى سيرته العطرة وبطولته وشجاعته، التى ستُروى على مر التاريخ وتمثل مصدر اعتزاز وفخر لأسرته وأهل قريته. كريم وجيه الشهيد الضاحك تستمر التضحيات التى يبذلها رجال الشرطة من أجل الوطن وتلتفت قلوب المصريين حول أبطال وشهداء الوطن فخرًا بأبناء وطنهم الذين يعطون بدون مقابل سوى الدفاع عن الأرض والتضحية بالروح من أجل حفظ تراب الوطن حتى آخر اللحظات فى عمرهم.. داخل منزل الشهيد التقينا والدته سهام مصطفى التى قالت: «كريم كان أحد ضباط العمليات الخاصة بوزارة الداخلية أثناء اشتراكه فى مأموريه سرية ببورسعيد لضبط العناصر المطلوبة وحدث اشتباك وتبادل النيران حتى استشهد النقيب كريم وجيه، وروت شعورها عند استشهاده قائلةً: «انهرت وادونى حقنة مهدئة» واستكملت: «لما روحت شوفته فى المستشفى دخلت لقيته مبتسمًا بوجه ضاحك وقولتله يعنى انت يا كريم مبتسم وانت سايبنى كده»، واختتمت حديثها تحث الشباب على الشجاعة والتضحيات للوطن فقالت: «مواصفات البطل أو الشخص المحب لوطنه لازم يكون شجاعًا لأن التضحية تتطلب شجاعة مطلقة». إسلام مشهور طلب رتبة شهيد فنالها النقيب إسلام مشهور ضابط العمليات الخاصة خريج دفعة 2012 الذى تمنى الشهادة ونالها، تقول سوزان عبد المجيد والدة الشهيد: «لا طعم للحياة بدون «إسلام» فقد كان كل شىء فى حياتى، كان الفرحة التى طالما ملأت منزلنا، متواضعًا محبوبًا للجميع، كان دومًا يغازلنى برغبته فى الاستشهاد، وأرد عليه: «بلاش توجع قلبى يا ضنايا»، لكن كان لديه يقين وإصرار غير عادى على نيل الشهادة والانضمام لسجل الشرف، وتضيف الأم: كان يقول لى: «نفسى أكون زى اللى استشهدوا، حتى رحل عن عالمنا فى معركة الواحات عام 2017 وترك لنا الحزن والألم يعتصر قلبى.. وعن رسالتها للشهيد، تقول الأم: «شكرًا يا إسلام يا حبيبى، شرفتنى حيًا وميتًا، وحشتنى يا قلب ماما، فخورة بك لأنك ضحيت بنفسك عشان بلدك». «المحاربين القدماء».. مصر لا تنسى شجعانها القوات المسلحة توفر جميع أوجه الرعاية لأسر الشهداء ومصابى العمليات جمعية المحاربين القدماء المصرية، تُعد من أعرق الجمعيات العالمية التى أخذت على عاتقها منذ إنشائها تقديم أوجه الرعاية بمختلف صورها للمحاربين القدماء وأسر الشهداء ومصابى العمليات الحربية إيمانًا منها ومن القيادة العامة للقوات المسلحة بما قدموه لهذا الوطن وصون مقدساته. «الأخبار» قامت بزيارة مقر الجمعية وحرصت على لقاء اللواء أ.ح. مدحت عبد العزيز فاوى مدير جمعية المحاربين القدماء وضحايا الحرب، وهى المؤسسة المنوط بها رعاية أسر الشهداء والمصابين الشجعان فى كل أنحاء الجمهورية.. فى البداية أكد مدير الجمعية أن مصر لا تنسى أبطالها الشجعان من مصابى العمليات والحروب، مشيرًا إلى أن مصر خاضت عددًا من الحروب خلال تاريخها الحديث وهو الأمر الذى انعكس بالسلب على مواردها البشرية والاقتصادية مع تضحية جيل كامل فى هذه الحروب التى استمرت حوالى ربع القرن، فتعددت البطولات وتجلت التضحيات، وأضاف أن الحروب التى خاضتها مصر أفرزت ذكرى لا تُنسى فى المجتمع المصرى، فقد خَلَّفت وراءها المصابين من العمليات الحربية والعديد من أسر الشهداء، وتقديرًا من القوات المسلحة لهذا القطاع العريض من المجتمع منذ اللحظة الأولى، فأنشأت جمعية المحاربين القدماء عام 1951 لترعى مصابى عمليات وأسر شهداء حرب عام 1948 والمحاربين القدماء من أبناء مصر والسودان، وكان أول رئيس لها اللواء محمد نجيب الذى كان هو نفسه من مصابى حرب عام 1948، وفى عام 1953 انضمت الجمعية إلى الفيدرالية العالمية للمحاربين القدماء ومقرها باريس. وأكد مدير الجمعية، أنه وبتوجيهات من القيادة العامة للقوات المسلحة، تم تطوير أسلوب صرف الأجهزة التعويضية وزيادة الإعانات التى تُصرف لأصحاب الدخل المحدود من أسر الشهداء ومصابى العمليات الحربية، وتوفر الجمعية الملاعب المفتوحة والصالات الرياضية المغطاة لجميع الأعضاء لممارسة جميع اللعبات بمدينة الوفاء والأمل، وقد مَثَّل الجمعية، العديد من الأبطال الرياضيين من المعاقين الذين حققوا العديد من البطولات. وحول كلمته للأجيال الجديدة عن معنى الاحتفاء بالأبطال والشهداء والشجعان، أكد مدير جمعية المحاربين القدماء وضحايا الحرب، أن الأجيال الجديدة ثمرة المستقبل، وأملنا فى الغد، لذلك من حق الأجيال القادمة أن يعرفوا بطولات وشجاعة محاربينا حتى لا تضيع دماؤهم التى فقدوها، ومن حق الأجيال القادمة أن يتعرفوا على أبطال المعارك الذين قدموا العديد من التضحيات من أجل تحرير الأرض واستعادة الكرامة، واستكملت الدولة ملحمة البطولات بحزم من الإجراءات لتنمية المستقبل وتحقيق هدف الدولة بالإنجازات التى نراها على أرض الواقع فى مصرنا الحبيبة، أما رسالتى الأخيرة التى أوجهها لشباب مصر القادم، حافظوا على التنمية والرخاء والأمن والاستقرار الذى تشهده مصرنا الحبيبة حاليًا فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، حافظوا على كل ما هو جميل وذلك بالعلم والعمل والعرق لكى تصونوا الأمانة وتتواصل الأجيال فى حب مصر والعمل على رفعتها وبناء الجمهورية الجديدة.