تزخر العسكرية المصرية بتاريخ حافل بالبطولات والتضحيات، وبقائمة شرف لا تنتهى تضم رجالًا أبطالًا وقادة عظماء وهبوا حياتهم لخدمة الوطن والدفاع عنه، وقد ضحوا بأرواحهم فى سبيل استرداد الأرض وعزة الوطن ورفعته، وقد سطر التاريخ ذكراهم بأحرف من نور، وتتناقل الأجيال بطولاتهم وتضحياتهم بفخر واعتزاز. وتخليدًا لذكرى شهداء مصر الذين ضحوا بأنفسهم فى سبيل الوطن، تُحيى مصر فى التاسعِ من مارس من كل عام، ذكرى يوم الشهيد، تزامنًا مع إحياء ذكرى استشهاد الفريقِ عبد المنعم رياض، رئيس أركان حرب القواتِ المسلحة الأسبق، الذى استُشهِد بين جنوده على الجبهة. وتستعرض «أخبار اليوم» فى الملف التالى بعض الملامح من بطولات وتضحيات شهداء مصر الأبرار.. وإلى التفاصيل: اقرأ أيضًا | لأول مرة.. الزي العسكري الذي استشهد به البطل «عبد المنعم رياض» على «الوثائقية» يعتبر الفريق عبد المنعم رياض، واحدًا من أشهر العسكريين العرب، حيث شارك فى الحرب العالمية الثانية بين عامى 1941 و1942، وشارك فى حرب فلسطين عام 1948، والعدوان الثلاثى عام 1956، وحرب 1967، كما أشرف على الخطة المصرية لتدمير خط بارليف خلال حرب الاستنزاف. ولد الجنرال الذهبى فى 22 أكتوبر 1919 فى قرية سبرباى بمدينة طنطا وكان والده (برتبة عقيد) محمد رياض عبد الله قائد بلوكات الطلبة بالكلية الحربية، وبدأ عبد المنعم رياض حياته العسكرية بالإلتحاق بالكلية الحربية التى تخرج فيها عام 1938، ثم حصل على شهادة الماجستير فى العلوم العسكرية عام 1944 وكان ترتيبه الأول، وأتم دراسته كمعلم مدفعية مضادة للطائرات بامتياز فى إنجلترا. شغل عبدالمنعم رياض عدة مناصب، ففى عامى 1947 1948 عمل فى إدارة العمليات والخطط فى القاهرة، وكان همزة الوصل والتنسيق بينها وبين قيادة الميدان فى فلسطين، ومنح وسام الجدارة الذهبى لقدراته العسكرية. وتولى قيادة مدرسة المدفعية المضادة للطائرات فى عام 1951، وكان برتبة مقدم، ثم عُيِّن قائدًا للواء الأول المضاد للطائرات فى الإسكندرية عام 1953، وفى العام التالى اختير لتولى قيادة الدفاع المضاد للطائرات فى سلاح المدفعية، وظل فى هذا المنصب إلى أن سافر فى بعثة تعليمية إلى الاتحاد السوفييتى عام 1958 وأتمها فى عام 1959 بتقدير امتياز، وحصل على لقب (الجنرال الذهبي)، تمت ترقيته عام 1966 إلى رتبة فريق، وأتم فى السنة نفسها دراسته بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، وحصل على زمالة كلية الحرب العليا. وفى 30 مايو 1967، عُيِّن الفريق قائدًا لمركز القيادة المتقدم فى عمان، وأعلن قائدًا عامًا للجبهة الأردنية، لكن لم يمض أسبوع حتى استدعاه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ليعينه فى 11 يونيو رئيسًا لأركان حرب القوات المسلحة المصرية، فبدأ مع وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة الجديد الفريق أول محمد فوزى إعادة بنائها وتنظيمها، بعد أن تأثرت بالنكسة. حقق الجنرال الذهبى انتصارات عسكرية فى المعارك والحروب التى خاضها، كتدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات فى 21 أكتوبر 1967 كما أنه صمم الخطة (200) الحربية التى طُورت بعد ذلك لتصبح خطة العمليات فى حرب أكتوبر، وكان على يقين أن العرب لن يحققوا النصر إلا فى إطار استراتيجية شاملة تأخذ البعد الاقتصادى فى الحسبان وليس مجرد استراتيجية عسكرية، وكان يؤمن بأنه إذا وفرنا للمعركة القدرات القتالية المناسبة وأتحنا لها الوقت الكافى للإعداد والتجهيز وهيأنا لها الظروف المواتية فليس ثمة شك فى النصر الذى وعدنا الله إياه. وفى صبيحة يوم 9 مارس قررعبد المنعم رياض أن يتوجه بنفسه إلى الجبهة ليرى نتائج المعركة ويشارك جنوده فى مواجهة الموقف، فانطلق يطوف المواقع فى الخطوط المتقدمة، يتحدث إلى الضباط والجنود، يسألهم ويسمع منهم، ويرى ويراقب ويسجل فى ذاكرته الواعية ويرفع من الروح المعنوية للجنود وقرر أن يزور أكثر المواقع تقدمًا التى لم تكن تبعد عن مرمى النيران الإسرائيلية سوى 250 مترًا، ووقع اختياره على الموقع رقم 6 وكان أول موقع يفتح نيرانه بتركيز شديد على دشم العدو فى اليوم السابق وفجأة بدأ الضرب يقترب، وبدأت النيران تغطى المنطقة كلها، وكان لابد أن يهبط الجميع إلى حفر الجنود فى الموقع. وشهد هذا الموقع الدقائق الأخيرة فى حياة الفريق عبد المنعم رياض، حيث انهالت نيران العدو فجأة على المنطقة التى كان يقف فيها وسط جنوده وإستمرت المعركة التى كان يقودها الفريق عبد المنعم بنفسه حوالى ساعة ونصف الساعة إلى أن انفجرت إحدى طلقات المدفعية بالقرب من الحفرة التى كان يقود المعركة منها ونتيجة للشظايا القاتلة وتفريغ الهواء أصيب ونقل إلى مستشفى الإسماعيلية والتى توفى فيها بعد 32 عامًا قضاها عاملًا فى الجيش متأثرًا بجراحه، وأقيمت للشهيد البطل جنازة عسكرية كبيرة بالقاهرة حضرها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وجميع قادة القوات المسلحة آنذاك، وكان قد حصل على العديد من الأوسمة والأنواط كميدالية الخدمة الطويلة والقدوة الحسنة ووسام نجمة الشرف ووسام الجدارة الذهبى ووسام الأرز الوطنى بدرجة ضابط كبير من لبنان ووسام الكوكب الأردنى من الطبقة الأولى. كذلك تم تكريمه بوضع اسمه على الكثير من الميادين العامة والشوارع فى مصر والدول العربية، ونعاه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ومنحه رتبة الفريق أول ونجمة الشرف العسكرية التى تعتبر أكبر وسام عسكرى فى مصر. ووضع له تمثالًا فى أحد أكبر ميادين القاهرة بمنطقة وسط البلد وأطلق عليه اسمه ميدان عبدالمنعم رياض، كما تم اختيار يوم 9 مارس من كل عام بعد انتصار حرب أكتوبر ليكون يومًا للشهيد، تخليدًا لذكرى رحيل رئيس أركان حرب الجيش المصرى الشهيد عبد المنعم رياض.