عمق إيمان المسلم يضاعف إقباله على قراءة القرآن الكريم فى رمضان، وبالقدر ذاته فى غيره من الشهور، فلا أتصور من حسن إسلامه، وقد هجر الكتاب العزيز فيما عدا شهر الصوم. ويثير دهشتى أن يباهى المرء بعدد المرات التى ختم فيها المصحف فى أيام وليالى رمضان، لأن القراءة المتعجلة، لا تتيح للقاريء التدبر والتأمل، دون أن يعمل بما قرأ! فقط أذكر هذا الصنف من المسلمين بقوله تعالي: «كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته». فلا يستوى المتعجل، أو المتلهف على تكرار قراءة المصحف، مع المتمهل الذى يحرص على التدبر والتفكر، وإعمال العقل بما يتلوه، حتى تقترن القراءة بالفعل والعمل، لتصير آياته غذاء وزادا للعقول. والمسلم الفطن من يجمع فى رمضان وغيره، بين قراءة كتاب الله المنزل ودرسه وتدبره، وقراءة كتاب الله المنظور، أى الكون، وهنا يحضرنى الاجتهاد بالغ الروعة للإمام محمد عبده الذى يذهب إلى أن لله كتابين مخلوقا وهو الكون، وكتابا منزلا وهو القرآن، وفى ربط رائع بين الإيمان بالخالق والنظر فى الكون يقول: إن هذا الكون هو كتاب للإبداع الإلهى المفصح عن وجود الله وكماله وجلاله وجماله، فكلمات الله فى التكوين، باعتبار آثارها ومصداقها، هى أحاد المخلوقات والمبدعات الإلهية، فإنها تنطلق بلسان أفصح من لسان بالمقال. وفى شأن قراءة المسلم ومتابعته للكتابين المنزل والمنظور يقول سبحانه وتعالي: «سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك انه على كل شيء شهيد». شيء طيب أن يحرص الصائم على قراءة القرآن، وقيام الليل، وزكاة الفطر، وكل ما من شأنه انه يجعله ينال رضا الله، وتقبله لسائر عباداته، والأطيب والأجمل أن يعى المرء أن الإسلام دين للحياة بكافة جوانبها، ولا يكمل هذا الفهم إلا بتعظيم قيمة التفكير، وتوسيع دوائر البحث والنظر، فحين يستثمر، الإنسان عقله على النحو السليم، سوف يبلغ حدودا من المعرفة توسع أفقه، عبر استخدام ملكاته الفكرية والإدراكية بأفضل ما يكون. إننى ادعو كل الصائمين إلى اغتنام حالة الصفاء العقلى والنفسى أثناء شهر الصوم، ليجمعوا بين القراءة المتدبرة لكتاب الله المسطور، أى القرآن الكريم ، وقراءة كتابه المفتوح أى الكون، فكلاهما يكشف عن آيات الله واعجازه، فقط لمن يتفكر ويتأمل، ساعيا للبحث عن عظمة الخلق، وجلال الخالق. فقط ليتذكر الصائم، انه كما ينظر إلى صيامه كفريضة، ان يثمن النظر فى الموجودات بتعبير ابن رشد - واجبا شرعيا، يرتقى إلى مستوى الفريضة. - صوموا تصحوا-، ثم تدبروا تصح عقولكم، كما تصح أبدانكم.