ما أحوجنا فى شهر رمضان إلى سلام النفس، وأن يلتئم الشمل وتهدأ حدة المكائد والصراعات، وتمتد الأيدى للبناء وليس للهدم والتخريب، وأن نزرع الأرض خيراً وليس ألغاماً ومتفجرات، وتعاليم الإسلام تفيض سلاماً ومحبة وتسامحاً، وتنشر الأمن والطمأنينة بين العالمين. وصلاة الفجر فى الشهر الكريم ليست مجرد عبادة، بل هى وسيلة لتهدئة النفس وتغذيتها بالسكينة والطاقة الإيجابية، وتجعل الإنسان أكثر استقرارًا وسعادة طوال اليوم، ولها تأثير عميق على سلام النفس لأنها تربط الإنسان بالله فى وقت السكون والصفاء، قبل انشغال اليوم. ليس شيء أنفع للعبد فى معاشه وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن، وإطالة التأمل فيه، وجمع الفكر على معانى آياته، فإنها تأخذ العبد على معالم الخير وعلى طرقه وأسبابه وغاياته وثمراته. والنبى صلى الله عليه وسلم كان نموذجًا مثاليًا لسلام النفس، وعلمنا كيف نحققه فى حياتنا، وكان قلبه مطمئنًا وعاش بسلام داخلى انعكس على تعامله مع الآخرين، وكان يداعب أصحابه ويهتم بأسرته ويأخذ وقتًا للراحة، مما يعكس انسجامه الداخلي، وهو نموذج لمن أراد أن يعيش بسلام داخلى حقيقي. والإصلاح الحقيقى هو الصدق مع النفس، وأن نرفع أيدينا مخلصين بالدعاء: «اللهم إنا نسألك أن تطهر قلوبنا، وتكشف كَرْبنا، وتغفر ذنبنا، وتصلح أمرنا، وتغنى فقرنا، وتكشف همنا وغمنا، واجعل لنا من كل خير نصيباً، وإلى كل خير سبيلاً، برحمتك يا أرحم الراحمين». ما أحوج بلادنا إلى استنهاض روح الأمة والعودة إلى جوهر ديننا الحنيف، فلا دنيا لمن لم يُحى ديناً، ولا صلاح إلا باستنهاض الأخلاق، فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بُعث ليتمم مكارم الاخلاق. يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: لا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر، فإنه جامع لجميع منازل السائرين وأحوال الغافلين ومقامات العارفين، وهو الذى يُورث المحبة والشوق والخوف والرجاء والإنابة والتوكل والرضا والتفويض والشكر والصبر، وسائر الأحوال التى بها حياة القلب وكماله. ويقول الإمام الآجرى: القليل من الدرس للقرآن مع الفكر فيه وتدبره أحب إلىَّ من قراءة الكثير من القرآن بغير تدبر ولا تفكر فيه، وظاهر القرآن يدل على ذلك والسنة النبوية وقول أئمة المسلمين. ويقول ابن الجوزى فى زاد المسير: لما كان القرآن العزيز أشرف العلوم كان الفهم لمعانيه أوفى العلوم، لأن شرف العلم بشرف المعلوم. ويقول أهل التقوى: دعونا نرى الدين فى سلوككم وأخلاقكم، ولا تزايدوا وتكذبوا وترموا غيركم بما فيكم، فالإسلام دين الأخلاق ورسولنا الكريم يقول: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» ويقول الله عز وجل: «وإنك لعلى خلق عظيم»، الأخلاق هى رسالة الإسلام الكبرى وصولا الى سلام النفس، وبدونها تنهار القيم وتنحدر السلوكيات.. وكل عام وأنتم بخير.