قبل أعوام استحوذ المسلسل الإسبانى «la casa de papel» والذى عُرف فى مصر باسم «البروفسير» على نِسب المشاهدات العالية للدراما الأجنبية، تدور أحداثه حول سرقة مصرف إسبانى حكومى، عبر وضع قوات الشرطة المسئولة عن حماية المصرف تحت ضغط المواطنين وإقناعهم تدريجيًا بتأييد سرقة المال العام. فى الحوار وجَّه «البروفسير» بطل المسلسل سؤالًا لفريق اللصوص ، لو فريق البرازيل المرعب يُواجه الكاميرون فى كأس العالم مَنْ تُشجِّع؟ الآراء انقسمت، واستخدم البروفسير طريقة خبراء علم النفس فى شرح مغزى السؤال، قال وهو أمر مثبت علميًا إن الناس ستميل لتشجيع الضعيف على القوى، وإن الكاميرون ستدعمها الأغلبية وتتعاطف مع ضعفها، ولذلك يجب على الفريق التحوُّل إلى رمز للضعفاء والمُهمشين؛ ليحصلوا على تأييدهم. عن طريق تمرير النظرية بدأ السيناريو يعكس الفكرة، وظهرت مشاهد المواطنين تقوم بتشجيع اللصوص - فى ثياب المُستضعفين - ضد قوات الشرطة بنفس طريقة ملاعب كرة القدم، وتناسوا تمامًا أنهم يُهدِّدون مقادير بلدهم. أخطر ما يُمكن أن تُواجهه أى ممارسة ديمقراطية، -وأهمها الانتخابات النقابية - هو محاولة أنصار مرشح يتنافس مع آخر احتكار العملية الديمقراطية وممارسة الإرهاب الفكرى والاغتيال المعنوى من خلال ميليشيات إلكترونية ضد أنصار الطرف الآخر، لمجرد أنه قرَّر المنافسة على أرضية مُغايرة فكريًا، وتخويف الناخبين من وجود طرف خفى - ويقصد بها الدولة فى كل الأحيان - يسعى لإسقاط مرشحهم، وبالتالى يصبح تأييد المرشح المنافس أمرًا يتحرَّج إعلانه حتى لا يتم وصم مُؤيديه بأنهم تابعون للسلطة وتُصبح نتيجة الانتخابات إذا ما فاز بها المنافس محل شك. الأصل فى النقابات أنها تجمعات لممارسى المهن المختلفة، وليست تنظيمات سياسية؛ لأن السياسة مكانها الطبيعى الأحزاب، وتسعى لخدمة مُمارسى تلك المهن وتحسين أوضاعهم وحماية حقوقهم بالتفاوض الاجتماعى، وهو العمل النقابى المُتعارف عليه فى العالم كله، ويتنافس فى انتخاباتها أبناء نفس المهنة المنتمون لنفس النقابة، والتنافس المقصود هو تنافس البرامج المبنية على هموم ومتطلبات مَنْ يُمارسون المهنة بالفعل وما تحتويه من بنود خدمية تستهدف تحسين أوضاعهم وليس تنافس الانتماءات السياسية. ولا تسمح النقابات القوية لتيار أو تنظيم أن يُسيطر على مفاصلها ويُحوِّلها لخدمة تيار سياسى بعينه، ولا يُعطى أعضاؤها الفرصة لعناصر لا تُمارس المهنة أن تُصبح صانعة القرار داخل النقابة. الكارثة أن تشهد انتخابات نقابة الصحفيين ذلك النوع من الابتزاز السياسى ضد مرشح لمجرد أنه مختلف مع مرشح آخر، ويصبح أحد المرشحين مُحصنًا ضد النقد، رغم أنها نقابة رأى ورأى آخر، ومن حق أعضائها إعلان انحيازاتهم دون إرهابٍ أو تخويفٍ، وأن يحظى الجميع بفرصٍ متساوية، وأن لا يُصبح رأى التيار السياسى أعلى من رأى جموع الصحفيين ومصالحهم ورؤيتهم، وأن لا يتحوَّل الابتزاز السياسى إلى سلاحٍ يمنع المرشحين من التنافس؛ لأن استمرار تلك الممارسات تجعل النقابة أسيرة لتيار واحد قادر على إنجاح أى مرشح مهما كان متواضع المستوى والقدرات طالما كان مدعومًا من التيار أو التنظيم، والنتيجة الحتمية مع الوقت أن تتحوَّل النقابة إلى تنظيم سياسى وتُصبح قلعة الحريات صدى صوت واحد ووحيد. أتمنى أن ترتقى الممارسة الديمقراطية ويتوقف الابتزاز السياسى ضد أعضاء الجمعية العمومية وأن تختار الجماعة الصحفية نقيبها ومجلسها دون إرهاب أو تخويف أو تأييد لمظلومية خيالية مصنوعة سياسيًا لحسم معركة انتخابية يعرف الجميع أنها نزيهة وعصية على التلاعب، من حق الصحفيين المهنيين أن يُمارسوا حقهم بحرية دون تخويف أو تخوين، ويجب أن لا تتحوَّل الممارسة الديمقراطية داخل النقابة إلى ساحة معركة سياسية يُحرِّكها تيار سياسى ضد خصومه خارج النقابة، وهى عملية أبعد ما تكون ولا تُعبِّر بأى حالٍ من الأحوال عن رغبة جموع الصحفيين ولا تُحقق مصلحة النقابة ذاتها.