«وتلقى أمامك هذا الكتاب، فالعن صاحبه وناشره ما شئت..» السبت: صناعة الكذب رغم صرعة الذكاء الاصطناعي، إلا أن غباء اصطناعيا له تاريخ مازال ينافسه، وأصحابه مازالوا يضخون معلوماتهم الكاذبة، وبكل غباء مقصود، فيقلبون الحق باطلا، وكما يُعبأ الذكاء الاصطناعى بالمعلومات، لا يدخرون جهدا فى تعبئتنا بسيل من الافتراءات، والأباطيل، ويصورون لنا أنهم يحاولون إنقاذ العالم من الأشرار، ولم ننس ما جرى بالأمس القريب من مشهد افتراءات «كولن بول» وزير خارجية إدارة جورج بوش «الصغير» أمام مجلس الأمن، وهو يتغابى جالسا وبين إصبعيه أنبوبة صغيرة، وتكاد الدمعة تفر من عينيه قائلا: «ما نقدمه لكم هى حقائق واستنتاجات مبنية على استخبارات قوية تؤكد امتلاك العراق أسلحة دمار شامل» وبناء على تلك الكذبة «الاصطناعية» توجهت الآلة الحربية الأمريكية إلى العراق، فأزهقت أرواح حوالى مليون نفس، وفتتت العراق، وولدت حركة داعش الإرهابية، التى لا تزال تضخ غباءها الإرهابى عبر دول العالم، ولم يجد الأمريكيون ما يحفظ ماء وجههم على كذبهم الاصطناعي، ويتغابون عن أن أسلحة الدمار الشامل تسكن مغتصبة أرض فلسطين..! أما الطبيبة «ميريام أديلسون» الإسرائيلية الحاملة للجنسية الأمريكية تعد أحد مزودى خدمة الغباء الاصطناعي، فتشيع دوما أن الفلسطينيين ليس لهم حق فى أرضهم، وأنه لابد من توسع إسرائيل فى المنطقة، وإبادة غزة بشعبها واجب مقدس إسرائيلي، و»ميريام» وعائلتها يملكون صحيفة يومية مجانية باسم «إسرائيل اليوم» وتعد بوق دعاية ل»نتنياهو» ولتبيض ما يقترفه فى غزة من تطهير عرقي. وقيل إن «ميريام» وراء إعلان الرئيس ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، واقترحت عام 2024 على ترامب أن تكون أكبر متبرعة فى حملته الانتخابية للعودة إلى البيت الأبيض مرة أخرى شرط أن يلتزم بضم إسرائيل للضفة الغربية إن أصبح رئيسا. و»ميريام» من أغنى نساء أمريكا فهى وريثة الملياردير الأمريكى «شيلدون أديلسون» بثروة تقدر ب29.7 مليار دولار، حسب تقدير مجلة «فوربس» لسنة 2024، وقد دعمت هى وزوجها بملايين الدولارات حملات «ترامب» الانتخابية للرئاسة منذ عام 2016 حتى 2024، وتبرعها المالى غير المحدود لحملة ترامب كان أحد دوافعه للاعتراف ب»سيادة إسرائيل» على مرتفعات «الجولان» السورية، وبسبب كل هذا الإنفاق المالي، حصلت ميريام على وسام الحرية من ترامب عام 2018، وقد تبرعت مؤسسة عائلة أديلسون ب200 مليون دولار لمنظمة تاغليت- بيرثرايت إسرائيل، وهو مشروع يجلب الشباب اليهود لإسرائيل. الخميس: سجينة الملك فؤاد كانت يوما سلطانة مصر، ثم ملكة مصر ثم جلالة الملكة، «الملكة نازلي»، ظلمها التاريخ وطردت من جغرافية بلادها، ومعظم من أرخ لحياتها لم ير فيها غير امرأة طائشة عربيدة تجرى وراء ملذاتها، ولم يخطر بباله محاولة فهم سلوكها الذى يراه طائشا، ويسأل نفسه لماذا طاش سلوكها، ولم يتتبع حياتها ومأساتها التى تسبب فيها زواجها قصرا من الملك فؤاد!. فكانت تردد دائما «أنا سجينة الملك فؤاد»، ونازلى هى ابنة عبد الرحيم صبرى باشا وزير الزراعة فى ذلك الزمان، أحبت شابا من أقربائها، وكان أملها فى الزواج منه كبيرا، وبالمصادفة وقعت عين «عظمة السلطان أحمد فؤاد عليها -كما يروى محمد التابعى فى كتابه من «أسرار الساسة والسياسة»- فخطبها من أبيها الذى لم يستطع الرفض! وفى يوم عقد قرانها على السلطان هربت نازلى من قصر أبيها، ولجأت لبيت حبيبها مَن تريد الزواج منه، وهنا بدأ يقلق ذلك «الحبيب» فهو يدرك أن سلطات الدولة سوف تبحث عنها وعنه، وساعتها لن ينجو من بطش السلطان فؤاد المشهور بغبائه، وقوة بطشه، فيبدو أنه أوضح الصورة ل»نازلى» أنه لا يمكن النجاة من السلطان فؤاد، وعلينا أن نسلم بالأمر الواقع، ونتخلى عن بعض حتى ننجو بحياتنا من ذلك الطاغية الغبى، وبالفعل سلمت، وأرجعها لقصر أبيها، وعاد باكيا على حبيبته التى غُدر بها، وانتزعت منه، ولا حول ولا قوة له. وتم عقد القران سريعا، وأصبحت نازلى صاحبة العظمة السلطانة، فما كان من السلطان فؤاد إلا أن جعلها حبيسة قصره لا تغادره إطلاقا، وجعل عليها فى كل ركن من القصر عينًا ترقبها وترصد تحركاتها، ولا تزور ولا تزار، إلا فى النادر جدا، وبإذن منه، فقد كان أحمد فؤاد شديد الغيرة عليها نظرا لجمالها، وفارق السن الرهيب بينها وبينه أكثر من عشرين عاما، ونتيجة ذلك السجن أصيبت نازلى بالعديد من الأوجاع الجسدية وبالاكتئاب الشديد، وبقيت المسكينة فى ذلك الحال من السجن، والأوجاع سبعة عشر عاما هى ربيع عمرها، قضته داخل قضبان القصر، وتحت غيرة وحب امتلاك من زوجها الملك أحمد فؤاد أبو الملك فاروق، بالمناسبة فقد استبدل أحمد فؤاد لقب السلطان بالملك، وأصبحت هى الملكة بعد أن كانت سلطانة. وبعد سبعة عشر عاما توفى سجانها الملك فؤاد، فتحررت من سجنها، وانطلقت نازلى، وكأنها تريد استعادة شبابها الذى سرق منها، وعمرها الذى اغتاله أحمد فؤاد، وكانت بطبيعتها ميالة للمرح والاستمتاع بكل ما فى الحياة من متع، وكل ما فى سنوات الصبا والشباب، ولقد حرمت من الشاب الذى أحبته، وتزوجت من لا تحبه وحرمت كذلك من حق شبابها وصباها. ونتيجة لتغير حياتها وانفتاحها بدأت الشائعات تنتشر حولها، فبعد أن كانت سجينة وقعيدة القصر لا تزور ولا تزار، باتت تتحرك فى كل مكان، وعرفت السهرات، والأصدقاء، والصديقات، وارتبط اسمها بالعديد من المغامرات العاطفية، ربما يكون أشهرها علاقتها بأحمد حسنين باشا الذى استغل حبها له للسيطرة على الملك فاروق ابنها وذلك حتى يترقى فى القصر الملكى ويصبح رئيس الديوان الملكى. الإثنين: أفول السخرية يبدو أن «الكتابة الساخرة» باتت أحد المستحيلات وسط زمن غارق فى الأوبئة والحروب والصراعات المجنونة، فلم نعد نقرأ ما يرطب علينا حرائق الزمن، ويدفعنا للتخلص من عاداتنا الرذيلة، ويجعلنا نضحك ونسخر منها ونعود لرشدنا، وأحد أهم رواد الكتابة الساخرة، كاتبنا المبدع «إبراهيم عبد القادر المازني»، يقدم كتابه «حصاد الهشيم» فى السطور التالية بعبارات ساخرة شديدة الرشاقة فيكتب: «تعالى نتحاسب، إن فى هذا الكتاب أكثر من أربعين مقالا تختلف طولا وقصرا، وعمقا وضحولة، وما أحسبك ستزعم أن تبذل فى ثمنها ما أبذل فى كتابة هذه المقالات من همى ونفسى ومن يومى وأمسى، ومن عقلى وحسى، أو مثل ما يبذل الناشر فى طبعها وإذاعتها من ماله ووقته وصبره، ثم إنك تشترى كتابا، هبه لا يعمر من رأسك خرابا، ولا يصقل لك نفسا، أو يفتح عينا، أو ينبه مشاعر، فهو -على القليل- يصلح أن تقطع به أوقات الفراغ، وتقتل به ساعات الملل والوحشة، أو هو -على الأقل- زينة على مكتبك، والزينة أقدم فى تاريخنا معشر الآدميين النفعيين من المنفعة أعرق، والمرء أطلب لها فى مسكنه وقلبه وطعامه وشرابه، وأكلف بها مما يظن أو يحب أن يعترف. على أنك قد تهضم أكلة مثلا فيضيق صدرك ويسوء خلقك، وتشعر بالحاجة إلى التسرية والنفث، وتلقى أمامك هذا الكتاب، فالعن صاحبه، وناشره ما شئت. فإنى أعرف كيف أحول لعناتك إلى من هو أحق بها، ثم أنت بعد ذلك تستطيع أن تبيعه، وتنكب به غيرك أو تفككه، وتلف فى ورقه المنثور ما يلف، أو توقد به نارا على طعام أو شراب. أما أنا فمن يرد إلى ما أنفقت؟ من يعيد لى ما سلخته فى كتابته من ساعات العمر الذى منه فائت، ولا يتجدد كالشجر ويعود أخضر بعد إذ كان أصفر، ولا يرقع كالثياب أو يرفى. ومهما يكن من الأمر، وسواء أرضيت أم سخطت، وشكرت أم جحدت، فاذكر هداك الله أنك آخر من يحق له أن يزعم أن ثمن الكتاب ضاع عليه، أولى بالشكوى منك الناشر ثم الكاتب».