احتلت المجوهرات مكانة رفيعة في الحضارة المصرية القديمة، حيث لم تكن مجرد زينة، بل كانت رمزًا للقوة والثراء والحماية الروحية، إذ اعتقد المصريون القدماء أن ارتداء المجوهرات يجذب انتباه المعبودات ويمنح الحماية من القوى الشريرة. اقرأ أيضا | أصل الحكاية| المتحف المصري.. مرحلة جديدة من التطوير تعيد إحياء كنوزه ومن هذا المنطلق، صُمّمت المجوهرات بدقة متناهية من الذهب والفضة والأحجار الكريمة، وعكست براعة الصياغة ودقة الحرفية التي وصلت إليها مصر القديمة، كما أكده الباحث الأثري الدكتور حسين دقيل، المتخصص في الآثار اليونانية الرومانية. يضم المتحف المصري بالتحرير مجموعة فريدة من المجوهرات الملكية التي تعود إلى عصور مختلفة، ومنها طوق الملكة أحوتب الأولى وخنجر الأميرة إيتا، والتي تكشف عن أسرار صناعة المجوهرات في مصر القديمة. في هذا التقرير، نستعرض تاريخ هذه المجوهرات الفريدة وأهم القطع المعروضة في المتحف المصري، إلى جانب رحلة المصريين القدماء في البحث عن الذهب في بلاد النوبة. أولًا: المجوهرات في مصر القديمة – بين الزينة والاعتقاد الديني 1. الدور الروحي والرمزي للمجوهرات لم تكن المجوهرات في مصر القديمة مجرد أدوات للزينة، بل ارتبطت بمعتقدات دينية قوية، إذ اعتقد المصريون أن المعادن الثمينة مثل الذهب تعكس نور الآلهة، وأن الأحجار الكريمة تحمل قوى سحرية تحمي مرتديها من الشرور والأمراض. لهذا السبب، كان الملوك والكهنة يرتدون مجوهرات مزينة بأشكال آلهتهم المقدسة، مثل الصقور والجعارين وأعين "الأوجات" الحامية. 2. استخدام المعادن الثمينة في صناعة المجوهرات الذهب: كان أكثر المعادن قيمة ورمزية، حيث اعتُبر "دموع رع"، المعبود الشمسي، مما جعل المصريين يستخدمونه بكثرة في تيجان الفراعنة والمجوهرات الملكية. الفضة: كانت أكثر ندرة من الذهب، ولذلك كانت تُستخدم بحرص في بعض المجوهرات الفاخرة. الأحجار الكريمة: مثل الفيروز واللازورد والعقيق، التي أضفت ألوانًا جذابة ودلالات روحية على المجوهرات. 3. الذهب في مصر القديمة وبلاد النوبة كانت أرض مصر غنية بمناجم الذهب، لكن المصريين القدماء اعتمدوا بشكل كبير على بلاد النوبة، التي كانت مصدرًا أساسيًا لهذا المعدن النفيس. وكلمة "نبو" أو (nbw)، وهي التسمية المصرية القديمة للذهب، تشير إلى أهميته في الاقتصاد والدين. وقد أرسل الفراعنة حملات استكشافية إلى الجنوب لاستخراج الذهب، حيث كانوا يستخدمون أدوات بدائية ولكنها فعالة لفصل الذهب عن الصخور. ثانيًا: أبرز المجوهرات المعروضة في المتحف المصري بالتحرير يحتوي المتحف المصري على العديد من المجوهرات الفريدة التي تعكس مهارة المصريين القدماء في فن الصياغة، ومن أبرزها: 1. طوق الملكة أحوتب الأولى يُعتبر طوق الملكة أحوتب الأولى إحدى التحف الفنية النادرة، حيث يتميز بتصميم فريد يعكس دقة الصنعة. يتكون الطوق من قطع ذهبية متشابكة، ويُزينه قفل ذو رأسي صقرين، وهو رمز للإله حورس الذي يُجسد الحماية والقوة. كان هذا الطوق ضمن مقتنيات الملكة أحوتب الأولى، والدة الملك أحمس الأول، والتي لعبت دورًا بارزًا في طرد الهكسوس من مصر. 2. خنجر الأميرة إيتا يُعد خنجر الأميرة إيتا من القطع النادرة التي تعكس تطور فن المجوهرات في عصر الدولة الوسطى. تم العثور على هذا الخنجر في مقبرة الأميرة إيتا، ابنة الملك أمنمحات الثاني، في دهشور. ويتميز هذا الخنجر بمقبض ذهبي مزين بأحجار كريمة، مما يجعله تحفة فنية تجمع بين الجانب العملي والفخامة الملكية. ثالثًا: تطور فن صناعة المجوهرات في مصر القديمة 1. مراحل تطور المجوهرات عبر العصور عصر ما قبل الأسرات: كانت المجوهرات بسيطة ومصنوعة من الخرز والعظام والأحجار الطبيعية. عصر الدولة القديمة: بدأ استخدام الذهب والفضة على نطاق أوسع، مع تصاميم أكثر تعقيدًا. عصر الدولة الوسطى: شهدت المجوهرات مزيدًا من الزخرفة وإضافة الأحجار الكريمة. عصر الدولة الحديثة: وصلت صناعة المجوهرات إلى ذروتها، حيث استخدم الحرفيون تقنيات متقدمة في تطعيم الذهب بالأحجار الكريمة وصناعة التيجان الملكية. 2. تقنيات صناعة المجوهرات استخدم المصريون القدماء تقنيات متطورة في صناعة المجوهرات، مثل: الصبّ والنقش والتطعيم بالأحجار الكريمة. استخدام تقنيات الترصيع لإضافة الأحجار الملونة مثل اللازورد والعقيق. التشابك بين الذهب والنحاس لصنع قطع فريدة ذات متانة وجمال. رابعًا: دور المتحف المصري في حفظ هذا التراث الفريد يُعد المتحف المصري بالتحرير أحد أهم المتاحف في العالم، حيث يضم مجموعة هائلة من القطع الأثرية التي توثق مراحل تطور الحضارة المصرية القديمة. ومن بين هذه الكنوز، تحظى المجوهرات الملكية بمكانة خاصة، إذ تعكس الفخامة والدقة التي ميّزت الفراعنة. يعمل المتحف على: عرض المجوهرات بطريقة تحافظ على قيمتها التاريخية والفنية. تنظيم معارض دورية تُبرز تطور صناعة المجوهرات في مصر القديمة. استخدام التكنولوجيا الحديثة لإجراء أبحاث متقدمة حول طرق التصنيع والتصاميم المستخدمة في تلك العصور. تبرز المجوهرات المصرية القديمة كتحف فنية خالدة تعكس روعة هذه الحضارة العريقة. فمن الطوق الذهبي للملكة أحوتب الأولى إلى خنجر الأميرة إيتا، تروي كل قطعة قصة من تاريخ مصر العظيم. ويظل المتحف المصري بالتحرير الحارس الأمين لهذه الكنوز، التي تجذب عشاق التاريخ والفن من جميع أنحاء العالم. إنّ تأمل هذه القطع الفنية لا يمنحنا فقط لمحة عن حياة الفراعنة، بل يجعلنا ندرك كيف كانت مصر القديمة منبعًا للإبداع والتطور في فن المجوهرات، وهو إرث لا يزال يُلهم صانعي الحلي والمجوهرات حتى يومنا هذا. اقرأ أيضا | حكاية متحف| إعادة العرض المتحفي في المتحف المصري.. رؤية حديثة لإبراز كنوزنا