قد تُفاجأ، عزيزى القارئ، عندما تعلم أن «المصريين أكثر شعوب العالم ثقة فى العلم والعلماء»، لأنى لم أكن لأصدق هذه النتيجة التى خلصت لها دراسة نشرتها دورية «نيتشر هيومان بيهيفيور»، إلا بعد أن طالعت تفاصيلها وتأكدت من هذه النتيجة التى خلص لها الباحثون بعد جمع بيانات ما يقرب من 72 ألف مشارك فى 68 دولة، فيما يعتبر المسح الأكثر شمولاً للثقة فى العلماء. وإذا كان المصريون يثقون فى العلم والعلماء، فلماذا لا نشعر بتأثير هذا العلم على مجتمعنا مثلما هو الحال فى دول كثيرة شملها الاستطلاع، مثل أستراليا؟ كانت النتيجة التى خلصت إليها بعد تفكير، هو وجود فارق كبير بين ثقة المجتمع وثقة مجتمع الأعمال وأصحاب القرار السياسي. ورغم أن ثقة المجتمع كان من المفترض أن تمهد الطريق لثقة أصحاب القرار السياسى ومجتمع الأعمال، إلا أن غياب هذه الثقة من جانبهم لا يزال هو السبب الرئيسى لمشكلة أزلية يعانى منها البحث العلمى فى مصر، وهى الانفصال بين البحث العلمى والتطبيق. فلا تزال أغلب إنجازات البحث العلمى المصرى حبيسة المعامل، ولا تجد سبيلا للخروج إلى تطبيقات عملية، وإذا لم نجد حلاً لهذه الأزمة، سنظل ندور فى حلقة مفرغة من إنتاج أبحاث ليس لها من فائدة سوى أن تكون وسيلة للترقى فى الدرجات العلمية. لكن السؤال المهم الذى استوقفنى كثيرا هو: إذا كان هذا هو الحال فى الانفصال بين البحث العلمى والتطبيق، والذى يحرم المجتمع من الشعور بأثر العلم فى حياتهم، فمن أين جاءت ثقة المجتمع المصرى فى العلم والعلماء؟ أغلب الظن أن هذه الثقة المجتمعية نابعة من إرث تاريخى عميق من تقدير للعلم والعلماء، الذين لعبوا أدوارا مهمة فى لحظات تاريخية فارقة، والمثال الأشهر على ذلك هو نجاح العالم المصرى الراحل، محمود سعادة، فى فك شفرة وقود الصواريخ فى حرب أكتوبر، وهو إنجاز يظل محفورا فى ذاكرة المجتمع. وتحتوى معامل البحث العلمى المصرية على إنجازات بحثية يمكنها ترك بصمة فى حياتنا، على نفس القدر الذى تركه الدكتور سعادة، ولا ينقصنا سوى استثمار ثقة المجتمع لخلق الرابط المفقود بين البحث العلمى والتطبيق.