تُواجه أورسولا فون دير لاين أصعب تحدٍّ لقيادتها منذ توليها رئاسة المفوضية الأوروبية قبل ست سنوات، لكن هذه المرة، التهديد لا يأتي من رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، بل من زعيم ألماني صاعد بقوة، وهو فريدريش ميرز، الذي يسعى لإعادة تشكيل النفوذ الألماني داخل الاتحاد الأوروبي. فريدريش ميرتز، زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والفائز بالانتخابات الألمانية التشريعية، لا يخفي نيته التدخل بعمق في سياسات الاتحاد الأوروبي، متجاوزًا النهج الحذر الذي اتبعه سلفه المستشار الألماني، أولاف شولتز، حيث يبدو أن تصريحاته القوية تعكس رؤية جديدة لدور ألمانيا، خاصة مع ضغوط واشنطن على أوروبا لتولي مسؤولية أكبر في دعم أوكرانيا، وفقًا لصحيفة «بوليتيكو» الأمريكية. اقرأ أيضًا: بين «الصفقات» و«التحديات».. هل يحقق فريدريش ميرز حلم أوروبا الاقتصادية؟ رسالة ميرز إلى بروكسلوواشنطن في خطاب انتخابي حاسم خلال الأسبوع الماضي، صرّح فريدريش ميرتز قائلا: «لا يجب أن يظهر الاتحاد الأوروبي كقزم سياسي أمام واشنطن، وإلا فسيُعامل على هذا الأساس»،ولم تكن هذه الكلمات مجرد انتقاد، بل عكست وأوضحت توجهًا نحو تعزيز الدور الألماني في بروكسل، وهو أمر قد يُعزز موقف فون دير لاين أو يُهدد نفوذها داخل أروقة القرار الأوروبي... وفقًا للصحيفة الأمريكية ذاتها، فوز فريدريش ميرتز بمقعد المستشار الألماني، سيكون بمثابة دعم إضافي لفون دير لاين، فهما ينتميان لنفس العائلة السياسية في أوروبا، لكن في ذات الوقت، ينظر كثيرون إلى المشهد على أنه محاولة من ميرز لإعادة تشكيل قيادة أوروبا وفقًا لرؤيته، ما قد يؤدي إلى صراع سياسي بينهما، خاصة أن فون دير لاين عُرفت بقبضتها الحديدية على السلطة في بروكسل. لكن، رغم انتمائهما لنفس الحزب، فإن مسيرتيهما مختلفتان تمامًا، حيث إن فون دير لاين، التي كانت تحت رعاية أنجيلا ميركل، صعدت بقوة إلى المناصب العليا، بينما أُجبر ميرز على مغادرة الساحة السياسية لفترة قبل أن يعود بقوة مرة أخرى، وبينما ركّزت فون دير لاين على تعزيز سياسات الاتحاد الأوروبي في ملفات مثل المناخ والمساواة، يتبنى فريدريش ميرتز نهجًا أكثر تقليدية يدعو إلى تحرير الاقتصاد وتشديد سياسات الهجرة. يبدو أن المواجهة بينهما ليست فقط حول النفوذ السياسي، بل تمتد إلى الرؤى الأيديولوجية حول الاتحاد الأوروبي، ففي حين تدافع فون دير لاين عن سياسات أوروبية مُوحدة، يسعى فريدريش ميرز إلى تعزيز سلطات العواصم الوطنية على حساب بروكسل، ولا شك أن هذا الخلاف قد يجعل التعايش السياسي بينهما معقدًا، رغم ما يُقال عن اتصالات منتظمة بينهما. تحالف هش أم مواجهة محتومة؟ بينما يصرّح مقربون من الطرفين بأن فون دير لاين وميرتز قادران على التعاون لتحقيق مصلحة أوروبا، تشير تقارير أخرى إلى تصاعد التوتر بينهما، ففي اجتماع مهم في برلين، فرض ميرز رؤيته لأوروبا بقوة، ما اعتُبر تحديًا مباشرًا لرئيسة المفوضية، وهذا ما دفع المحللين إلى التساؤل: «هل نحن أمام تحالف استراتيجي هش، أم مواجهة زعامة محتومة»؟ وفقًا ل«بوليتكو»، لا يمكن فهم العلاقة بين ميرتز وفون دير لاين دون الإشارة إلى أنجيلا ميركل، التي كانت الداعمة الأكبر لفون دير لاين، بينما لم تُخفِ عداءها ل فريدريش ميرز، ليُلقي هذا الإرث السياسي بظلاله على المنافسة الحالية، حيث يرى البعض أن ميرز لا يسعى فقط إلى تعزيز الدور الألماني في أوروبا بعد فوزه بالانتخابات الألمانية التشريعية، بل أيضًا إلى تفكيك إرث ميركل في أوروبا. وعلى الرغم من انتمائهما لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، فإن فريدريش ميرتز، وأورسولا فون دير لاين، إلا أن الثنائي لم يجتمعا مهنيًا لفترة طويلة، ففي عام 2005، حين دخلت فون دير لاين إلى الحكومة الألمانية، كان ميرز يغادر الساحة السياسية ليعمل في قطاع المحاماة، مما أبقى مساراتهما متباعدة لعقد ونصف. ميركل.. الفاصل بين المسارين كان المستشار السابق أنجيلا ميركل عاملًا رئيسيًا في هذا التباعد، حيث كان ميرز ضمن تيار سياسي مناهض لصعودها، محاولًا عرقلة وصولها إلى السلطة عبر "حلف الأنديز" داخل الحزب، لكن بعد فشل مساعيه، غادر السياسة ليعمل في شركات قانونية مثل "ماير براون" الأمريكية، بينما استمرت فون دير لاين في تسلق السلم السياسي حتى بلغت منصب رئيسة المفوضية الأوروبية. ومن ناحية شخصياتهما، يُعرف فريدريش ميرز بأنه شخصية اجتماعية تستمتع بالنقاشات الطويلة في الحانات، بينما تتسم فون دير لاين بالعزلة والاقتصار على دائرة مقربة من المستشارين، ليوضح هذا التباين في الأسلوب تباعدًا أعمق في النهج السياسي، حيث يفضل ميرز المواجهة المباشرة بينما تعتمد فون دير لاين على التكتيكات السياسية الهادئة. ومع فوز فريدريش ميرز في الانتخابات الألمانية التشريعية، يحاول الحزبان إظهار توافق أكبر بين الزعيمين، فقد صرح ميرز مؤخرًا بأن علاقته بفون دير لاين "أصبحت وثيقة للغاية"، لكن اللقاءات بينهما نادرة، إذ لم يتمكنا حتى من تحديد موعد عشاء مشترك في برلين، وانتهى الأمر بإفطار سريع في مقر حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، بحسب صحيفة «بوليتيكو». اختبار القوة في برلين.. من القائد الحقيقي؟ في اجتماع حزب الشعب الأوروبي ببرلين في يناير 2025، ظهر بوضوح من يملك النفوذ داخل المعسكر المحافظ، حيث قام فريدريش ميرز بالتنسيق مع مانفريد ويبر لدفع زعماء الحزب للتوقيع على بيان مشترك يلزم المفوضية الأوروبية بسياسات محددة، ما أثار توترًا مع فون دير لاين التي كانت تتعافى من التهاب رئوي. بينما حاولت فون دير لاين الحفاظ على إرثها، كان فريق ميرز يفرض شروطه في بروكسل، ما جعل بعض المسؤولين يصفون الأمر بأنه "استحواذ لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي على القرار السياسي في أوروبا"، الأمر الذي أبرز أن هناك صراعُ من نوع آخر، ألا وهو، صراع الديناميكية الجديدة داخل التيار المحافظ في القارة العجوز. خلال الأسبوع الماضي، تراجعت فون دير لاين عن بعض سياساتها البيئية الصارمة لمجاراة التحولات السياسية، ومع ذلك، تظل الخلافات قائمة حول السياسات الاقتصادية، حيث يفضل فريدريش ميرز تحرير الأسواق وتقليل القيود التنظيمية، بينما تركز فون دير لاين على تحقيق التوازن بين الصناعة والاستدامة. كما أن أحد أبرز نقاط التوتر بينهما هو الموقف من الصين، فبينما تتخذ فون دير لاين نهجًا متشددًا عبر فرض الرسوم الجمركية على السيارات الصينية، يتبنى فريدريش ميرز مقاربة أكثر براغماتية، محذرًا من تأثير هذه الخطوات على الاقتصاد الأوروبي. أما ملف الهجرة فيمثل انقسامًا آخر، حيث تدافع فون دير لاين عن إبقاء الحدود الأوروبية مفتوحة وفقًا لمبدأ شنجن، بينما يرى فريدريش ميرز أن ضبط الحدود ضرورة لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، الأمر الذي قد يقود إلى صراعات سياسية أوسع داخل الاتحاد الأوروبي، خاصة مع تصاعد النزعات القومية في بعض الدول الأعضاء. ورغم محاولات التهدئة، فإن الخلافات الجوهرية بين فون دير لاين وفريدريش ميرز قد تتحول إلى صراع قوي على قيادة المحافظين الأوروبيين، ففي الوقت الذي تسعى فيه فون دير لاين للحفاظ على موقعها في بروكسل، يطمح ميرز إلى إعادة ترسيخ زعامة ألمانيا داخل الاتحاد الأوروبي، ما ينذر.. بمواجهة سياسية مُمتدة بين الطرفين