قصة: سانچانا تاكور ترجمة: أسماء يس كانت أول أم أحضرتها أڤنى إلى البيت نظيفة جدًا، ترتدى الأبيض دائمًا، كأنها فى حداد أبدى، تجوب الشقة ذات السريرين، تربط منفضة ريش بمعصمها النحيل، وتسأل: «ألا أشبه آيشواريا راى تمامًا؟». تسكب المُبيِّض فى حوض الاستحمام على جسدها. فرك- دوب- دوب- دوب. لا تسألها أڤنى أى أسئلة، تأخذها مباشرة. فى الملجأ، يقودونها إلى الخلف ويلتقطون لها الصور. يوضحون: «لقد أودعت أماكن متعددة.. أحيانًا يكون هذا هو الخيار الإنسانى». الأم الثانية لئيمة وجميلة جدًا جدًا، وتعتقد أڤنى أن هذه المرأة تشبه آيشواريا راى بالفعل. نجمة. تشترى ميزانًا وتجعل أڤنى تقف عليه وتشاهد الأرقام تتمايل. وتقرر عندما تستقر: «كثير جدًا!». تقول أڤنى وهى تنزل من على الميزان: «لنلعب لعبة». تضع ذراعيها على جسدها وتراقبها وهى تنكمش فى المرآة: «أتفضلين أن يكون لديك ابنة سمينة وسعيدة أم نحيفة وحزينة؟». لا تتردد الأم الثانية: «نحيفة». «وحزينة؟». توافق: «نعم!». تومئ أڤنى: «كيف تنامين؟». تعترف: «جيدًا جدًا، مثل رضيعة». لا مشكلة، يقبلها أهل الملجأ. يقولون إنها تتمتع بمظهر مرغوب فيه، وستجد منزلاً آخر بسرعة. وهل تريد أڤنى إلقاء نظرة أخرى؟ أڤنى تريد. الأم الثالثة حزينة. كل ما تتحدث عنه هو قرية أتت منها، حيث كان لديها أبقار وأطفال ماتوا جميعًا واحدًا تلو الآخر، تقول إنها كانت تتوق إلى طفل حى طوال حياتها، لكن أڤنى لم تزر قرية قط، ولم تشعر قط بالرغبة فى حلب الأبقار. وعندما تومئ الأم الثالثة، تسألها عن السبب: «هل أحببتِ زوجك؟». تقول: «كان لدى خيار أن أحبه أو لا أحبه، وبدا لى حبه أسهل». تقول أڤنى: «هذه إجابة جيدة»، وتقرر الاحتفاظ بها، على الأقل لفترة من الوقت. يفهمان بعضهما بعضًا ببطء. تستيقظ الأم الثالثة كل يوم لتحضر شاى الكاداك وتشربه فى شرفة تبلغ مساحتها قدمين فى قدمين بدرابزين حديد لا تستخدمه أفنى إلا لنشر ملابسها الداخلية. تشرب الأم الثالثة عدة أكواب من الشاى يوميًّا. تطبخ فى وقت متأخر بعد الظهر لغداء وعشاء اليوم التالى، تعبئ الأم الثالثة الوجبات وترسلها إلى مكتب أڤنى مع عمال توصيل الحى، تضع الكثير من الملح فى طعامها، لكن براعم التذوق لدى أڤنى تتكيف، تبدأ أڤنى فى اشتهاء الملح. تحب تناول وجبة غداء ساخنة كل يوم. تحب تناول عشاء ساخن. تحب شخير الأم الثالثة لأنها تستطيع سماعه من خلال جدارهما المشترك. فهى تصاب بنوبات هلع عندما تحاول النوم. تصاب بالبرد فى جميع أنحاء جسدها وترتعش ساقاها مثل أطراف حشرة تحتضر. تشعر بالخوف والوحدة، وكثيرًا ما تشعر بالدوار. تحتاج إلى رفقة فى الليل لكنها لا تحب الرجال. «كم عمرك؟» تسأل الأم الثالثة بعد أسبوع من العيش معًا. فتحت نافذة المطبخ الصغيرة للتهوية وهى تقلى البامية فى زيت خردل ساخن. وعبر القضبان المعدنية، ترى الزقاق وما وراءه من شرفات المبنى المجاور. فى الصباح الباكر تكون هذه الشرفات مجثمًا للببغاء، وفى الظهيرة رفوفًا للتجفيف. وفى الليل، أماكن لتدخين الآباء والأبناء والبنات المتمردات. تجيب أڤنى: «ثلاثة وعشرون، وأنتِ؟». تقول: «سبعة وثلاثون». تطقطق البامية. تقول أڤنى مندهشة: «تبدين أكبر سنًا بكثير، لا بد أن ذلك من الحزن». ترتدى الأم الثالثة ثوب السالوار فى أيام الأسبوع، والسارى فى عطلات نهاية الأسبوع، وترتدى فساتين قصيرة من خزانة أڤنى عندما لا تكون فى المنزل. وتضع علامة السندور على مفرقها، وشعرها طويل يصل إلى مؤخرتها، تسحبه أڤنى من بين أسنانها وهى تأكل، ومن بالوعة الاستحمام كل أسبوع. عيناها مبطنتان عميقتان. تصاب أڤنى بالذعر ليلة السبت ولا تعرف السبب. تتشنج ذراعاها وتخذلها ساقاها. تقبض على عضلاتها لعشر ثوانٍ، تشهق وتزفر. تريد أن تتصل بأمها لكنهما لم يتحدثا منذ نحو ستة أشهر. تطوى ركبتيها تحتها وتميل إلى الأمام فى وضعية الطفل. تترك بطنها يتدلى بين فخذيها. تحاول أن تضع جبهتها على الأرض لكنها تفشل. وتضبط أنفاسها على شخير الأم الثالثة، وتحاول أن تنام طوال الليل. تسألها الأم الثالثة فى الصباح التالى: «كيف نمتِ؟». تستلقى أڤنى: «بشكل جيد». تهمهم الأم الثالثة ولا ترد. تعتقد أڤنى أنها تحب ذلك فيها. أنها لا تقول أى شىء. تسألها: «هل تحتاجين لغسل أى شىء؟». تحضر لها الأم الثالثة سلة مليئة بالملابس والسراويل القطنية المزخرفة بالدانتيل. ملاءات سرير أڤنى مبللة بالعرق. تجردها من ملابسها وتلقى بكل شىء فى الغسالة. تجلس وتشاهد فقاعات الصابون تتشكل وتزبد وتدور فى دوائر. اليوم يوم الغسيل. فرك-دوب-دوب-دوب. «لماذا اخترتنى؟». تسأل الأم الثالثة ذات يوم وأڤنى تعد القهوة. مضى شهر تقريبًا منذ أحضرتها إلى المنزل. وبعد أن توقفت عيون الموقد عن العمل منذ سنوات، تديرها حتى تسمع طقطقة الغاز ثم تمسك بقداحة وتقربها من الموقد حتى تشتعل. تقول أڤنى: «لأنك تبدين مثل الأمهات فى التليفزيون». كل الأمهات فى التليفزيون يبدين متعبات وحزينات كأنهن وحيدات متماسكات، كأنهن يلملمن شمل عائلاتهن. فى العمل، تترجم أڤنى إعلانات الشامبو وخلطات حساء كنور الفورية، مكتبها ملىء بالصراصير لكن المنظر جيد. 16 طابقًا عاليًا، وبحر العرب على بعد كيلومتر واحد. ترمى آيشواريا راى شعرها الرائع المنسدل على كتفها وتقول: «توتال ريبير 5: لأننا نستحق ذلك». يقول الصبى الصغير: «أمى، هل نأكل هذا أم نشرب هذا؟». «كنور سوبى نودلز! تناولها كيفما تشاء». تجعل النودلز أڤنى جائعة. فتتسلل بعيدًا. أمام المبنى ستاربكس وكريب سوزيت. فى الجزء الخلفى من المبنى، تحت مساحات كبيرة من القماش المشمع المخيط معًا، مطعم خاو جولى. تشترى فطيرة فادا باف بثلاثين روبية، وتطلب إضافة ملح وفلفل وباهجى، فى صغرها لم تسمح لها والدتها بتناول طعام الشارع. تقطع قطعًا صغيرة من الخبز الطرى بالزبدة وتطعمها لقطتها لكاليكو فى الزاوية. يصيبها عملها بالملل. تقبل القطة الفتات من يدها، ثم تبدأ العمل بلسانها الخشن. فرك-فرك-فرك-فرك. جميع إعلانات المنظفات متشابهة. يعود الطفل من المدرسة إلى المنزل مغطى بالطين. تقول الأم: «آى-هاى!»، لكنها ليست غاضبة. تعلم أنها تستطيع معالجة ذلك. تتذكر أڤنى هذا من طفولتها. من السهل معالجة الغسيل. تتصل أمها. لا تجيب، وتشعر بالذنب. لا تريد أن تتشاجر. كانتا تتشاجران كثيرًا وهى صغيرة، حول وزن أڤنى ووجهها وجسدها وولادتها. كانتا تجيدان فى الشجار، دائمًا ما تقولان أشياء لئيمة وصحيحة. تقول أڤنى شيئًا لئيمًا وصحيحًا، مثل: «أنتِ مجرد أم». وتقول أمها شيئًا أكثر لؤمًا وصدقًا، مثل: «كنت سأترك والدك لكنى حملتُ بكِ». فتهرب أڤنى إلى الشرفة وتتظاهر بأن آيشواريا راى هى أمها الحقيقية، وأنها ستظهر فى أى لحظة بسيارة ليموزين بيضاء طويلة وتأخذها بعيدًا. تمسح شعر القطة البيضاء. ترمش القطة فى وجهها، وترد عليها بالرمش. لقد سمعت أن الرمش البطىء هو طريقة لقول «أحبك». عندما تبتعد القطة تعود إلى الطابق العلوى. تطبيقات المواعدة. المشروبات الصحية. وكلاء السفر. الطلاء. فساتين الزفاف. القهوة. الذهب. توصيل الطعام. الأم الثالثة أرسلت مولى كى باراتى وثيتشا. الباراتى طرى ومقرمش. أما الثيتشا فحامضة وحارة وتوخز فمها. زملاؤها فى العمل يشترون الطعام من العربة مثلما اعتادت، لكنها تجده الآن فاترًا. ينقصه الملح. تبكى فى الحافلة إلى المنزل. ها هو الملح. تلعق شفتيها اللاذعة وتفكر فى أمها. تقول الأم الثالثة، عندما تشرح لها أڤنى سبب بكائها: «كلمينى عنها». تقول أڤنى: «كان مقاسها أربعة طوال حياتها، باستثناء فترة حملها بى، كان ثمانية. هى طباخة سيئة لكن خبازة جيدة. لم تدعنى قط ألعق الملعقة. وتعد كيكة ڤيكتوريا إسفنجية طرية جدًا لدرجة أنها تذوب فى فمك. لم تحب والدى حتى أنجبتنى، ثم صار لديها خياران، صار حبها له أسهل. كانت تحب اليوجا وتحمل جسدها كله على راحتى يديها مثل غراب. لم يكن لديها أى أصدقاء سواى. وتعتقد أن صوت سيف على خان مثير. وتغنى لى معظم الليالى». تقول الأم الثالثة: «تبدو لطيفة!». يتعانقان للمرة الأولى. يلتف ذراعا الأم الثالثة حول كتفيها بحذر، تجده أڤنى مفتقدًا. فى الصباح، يغسلان أسنانهما جنبًا إلى جنب، تتمضمضان تبصقان. معجون كولجيت منعش برائحة النعناع، وسائل الاستحمام برائحة النعناع، ورائحة الحمام تشبه رائحة الحناء. يشربان الشاى على الشرفة، ثم تقود أڤنى الأم الثالثة إلى الملجأ. فى السيارة تشحب وتذبل، وتسألها عن الخطأ الذى ارتكبته. تلاحظ أڤنى حديثًا الطريقة التى يلمع بها شعرها النحاسى تحت أشعة الشمس، مثل آيشواريا راى فى عام 2008. ولا تدرى ماذا تقول. يتجاذب أهل الملجأ أطراف الحديث حول الأم الثالثة، ويتبادلن النظرات الفضولية. يقترحن بلطف: «ربما، ربما يمكنك تجربة أم أكبر سنًّا؟ واحدة لديها المزيد من التدريب والخبرة؟». يضم الملجأ مئة وخمسين امرأة كنَّ أمهات، أو يتقن لأن يصبحن أمهات، أو ليس لديهن خيار سوى أن يصبحن أمهات. يعشن فى غرف مزدوجة صغيرة متماثلة الأثاث. يطبخن معًا فى مطبخ مشترك، ويزرعن نباتات التولسى على حواف النوافذ. وفى الآحاد يجلسن فى طابور طويل بين الغرف وحول أثاث غرفة المعيشة. يدهنن ويجدلن شعور بعضهن بعضًا بالزيت. أدت أڤنى ساعات خدمة المجتمع فى الثانوية هنا. وبدَين لها سعداء. قررت: «طيب، سأعطيها فرصة». يخرجن امرأة طويلة غير مبتسمة بشعر أبيض خلف أذنيها. يقلن: «أڤنى، هذه نازنين». هكذا تصبح نازنين الأم الرابعة، أكبر بكثير من جميع الأمهات الأخريات. فى الواقع هى جدة. صارمة، لكن وفيما توصلها أڤنى إلى المنزل تُنزل نافذتها وتخرج رأسها لتشعر بالنسيم. ثم تضحك كالأطفال. تعد نازنين طعامًا مختلفًا عن طعام الأم الثالثة. الكثير من اللحم، قطع طرية مطبوخة بشكل مثالى بحيث تسقط من على العظم. هى من حيدر أباد، وتشترى دجاجة كاملة مباشرة من الجزار. وتجعل أڤنى تتعلم كيف تنظفها وتقطعها. تقول أڤنى: «هذا مقرف ومقزز، لا أريد أن أفعل ذلك». ترد نازنين غير منزعجة: «إذا أردتِ أن تأكلى ستطبخين، لقد حصلت لنفسك على أم لا خادمة». تضع الدجاج على لوح التقطيع الخشبى. تقول وهى تشير إلى المكان بسكينها الكبير: «انظرى، إذا استطعت، قطعى دائمًا من عند المفاصل لا العظام». تراقب أڤنى وهى تقوم بعمل خطوط واضحة على جسم الدجاجة كى تقطعها فيبدو ما تبقى أقل شبهًا بالطائر وأكثر شبهًا باللحم. تلاحظ نازنين: «هذه السكين ليست حادة بما فيه الكفاية، هل فهمت؟». تومئ أڤنى. تتكلم الأم، فتتجاهلها. يلين وجه نازنين. تقطع الصدر والفخذين والأفخاذ والأجنحة إلى قطع صغيرة متساوية إلى حد ما. تقول: «هذا يسمى بتقطيعة الكراهى، ألم تعلمك أمك قط؟». تجيب أڤنى: ‹لا، لا بد أنها اعتقدت أن هناك أشياء أخرى أكثر أهمية». «مثل ماذا؟». تهز أڤنى كتفيها، تقول وهى تلتقط قطعة من الدجاج النيئ وتسحقها بين أصابعها: «لا أعرف». تضع نازنين السكين جانبًا. وتقول: «أخبرينى المزيد». تقول أڤنى وهى تضغط بأصابعها الرطبة اللزجة على بعضها: «لا يوجد ما يقال.. لم تهتم والدتى قط بالطعام. وأعتقد أننى كنت طفلة مخيبة للآمال». لم تكن طفلة جميلة. آخر مرة تحدثت فيها إلى أمها كانتا جاثيتين على ركبهما. تمارسان اليوجا معًا فى غرفة أمها الاحتياطية. فى وضعية الطفل. لم تستطع أڤنى أن تطوى نفسها إلى الأمام بما يكفى لتلامس جبهتها الأرض حينها أيضًا. اعترض بطنها طريقها، حزنت أمها بشدة، قالت: «أنت لا تشبهيننى فى شىء». احتوى دجاج الكراهى على ملح أقل مما اعتادت عليه أڤنى مؤخرًا، لكنه طرى ولذيذ، وبالكاد اضطرت إلى مضغه. تبتلعه، وتتظاهر نازنين بأنها لا ترى دموعها تنساب، وهى تضيف الملح. يغسلان الأطباق قبل النوم. تفرك أڤنى الصحون، وتشطفها نازنين. لا تشخر نازنين، لذلك تشعر أڤنى بالوحدة الشديدة فى الليل، لا تستطيع النوم مرة أخرى. تمشى ذهابًا وإيابًا فى الشقة وتحاول تنظيم تنفسها. تعد تنازليًّا مرارًا وتكرارًا. خمسة أشياء يمكنها رؤيتها، وأربعة أشياء يمكنها الشعور بها، وثلاثة أشياء يمكنها سماعها، وشيئان يمكنها شمهما، وشىء واحد يمكنها تذوقه. تشاهد الناس يدخنون من نافذة المطبخ. تمضغ الثلج؛ ترمى الميزان بعيدًا. فى الصباح تقول نازنين: «لقد سمعتك، هل دائمًا ما تنامين بشكل سيئ؟». ترد أڤنى وهى تحرك القهوة سريعة التحضير فى الحليب المغلى: «نعم»، «هل هناك أى شىء يساعد؟». تهز أڤنى رأسها: «لا شىء يمكنك فعله». «شىء يمكن لأم أخرى أن تفعله، ربما؟». تخمن نازنين. تأخذ أڤنى قهوتها معها. فى العمل، تراقب التصوير للمرة الأولى. إنها متعبة ومتوترة وتبنى كشكًا من قماش أسود سميك فى بهو مبنى شاهق قبيح بالقرب من أتريا مول. تقف فى مكان العارضة بينما يركِّب المصورون الأضواء. تتحرك كالمطلوب منها. ترتجف عند وميض الضوء، تغمض عندما تسطع الأضواء بشدة. يصيح أحدهم: «تحرَّكى!». عندما تفتح أڤنى عينيها، تجد نفسها على بعد قدمين منها، محاطة بمختصات الشعر والمكياچ، أما هى فترتدى ملابس بيضاء بالكامل وخيوط من اللؤلؤ ملفوفة حول عنقها المتلألئ، وتهب الرياح على شعرها بشكل مثير إلى الخلف، إنها آيشواريا راى. يستغرق التصوير ساعات. تستدير آيشواريا فى هذا الاتجاه وذاك، وتمنح الكاميرا نظرات طويلة وبطيئة تشبه القطة. معلنة عن «ڤوليوم شوكينج ماسكارا». جمالها مذهل! تحاول أڤنى أن تنظر فى عينيها، وأن ترمش ببطء فى وجهها. استراحة لتناول الغداء، يحضر أحدهم شطائر الصلصة والجبن لطاقم العمل. تجلس آيشواريا على أحد كراسى المكياچ العالية، وتأكل سلطة سيزر. وتشاهد أڤنى قطع الخس كبيرة جدًا. أوه لا. لا ينبغى أن تلطخ مكياجها المثالى. تضع مساعدتها الشخصية قفازات تستخدم لمرة واحدة. وتقطع كل ورقة خس واحدة تلو الأخرى إلى قطع أصغر حجمًا. يقول أحدهم: «شاى؟». تأخذه أڤنى دون أن تحول نظرها. تشرب دون أن تحول نظرها. تسكب الشاى على قميصها الأبيض وتقول: «اللعنة!». تسمع آيشواريا؛ وترى آيشواريا. لا تدرى ماذا تفعل الآن بعد أن أصبحا يتواصلان بالعينين. ترمش ببطء. تضيق عينا آيشواريا لكنها لا ترمش. من مكان آخر فى الغرفة، يصفق المخرج بيديه بصوت عالٍ وتختفى آيشواريا وسط زحام الطاقم المسلح بفوط قطنية وفراشى المكياچ ودبابيس الشعر. تمسح أڤنى قميصها لكنها تزيد البقعة سوءًا. يأتى إليها مساعد رئيسها فى العمل، رجل نحيف يرتدى چينز ضيق وفانلة، ويقول إنهم ليسوا بحاجة إليها بعد الآن. يمكنها المغادرة. تحتج وهى تبعد القميص عن جسدها وتضغط عليه. تسقط بضع قطرات من الشاى على الأرض: «لكن ماذا لو لم أرغب فى المغادرة بعد». يهز كتفيه: «آسف سيدتى، آيشواريا تريدك أن ترحلى». تقول أڤنى وهى تترك القميص يسقط مرة أخرى على جسدها، ويلتصق ببطنها: «لا.. لماذا؟». يشد المساعد فانلته ويقول كأنه يتساءل: «قالت إنك أخفتها؟». تنعكس الصورة فى رأس أڤنى: تتوقف سيارة ليموزين بيضاء ممتدة خارج مبنى سكنى للطبقة المتوسطة فى بانفيل، وداخلها آيشواريا راى. يُفتح باب الراكب ثم يُغلق. وتنطلق الليموزين مسرعة. ترفع فتاة صغيرة نفسها من على الأرض وتراقبها وهى تختفى. تقول أڤنى، بينما يحاول المساعد سحبها بعيدًا: «آيشواريا... آيشواريا، أنا آسفة!». من وسط كل خبراء التجميل ومصففى الشعر، تمتد ذراعان طويلتان شاحبتان إلى الخارج وترتفعان كأنها آلهة. تقدم تلويحة رشيقة على السجادة الحمراء. وداعًا. تقود أڤنى سيارتها الماروتى سوزوكى العادية جدًا إلى منزلها. وعندما تصل، تجد نازنين على طاولة الطعام. وقد جدت ألبومات صورها القديمة وجلست تتفحصها بعناية. تقول أڤنى وهى تحاول الوصول إلى الألبوم: «مرحبًا، لا!». ترفع وجهها غير نادمة وتسأل: «أهذه والدتك؟ لا بد أنها هى. أنتِ تشبهينها تمامًا». تأخذ أڤنى نفسًا عميقًا. ثم تجلس وتقول: «لا أريد أن أتحدث عنها». تغلق نازنين الألبوم: «أنا أريد، هل تريدين أن تخبرينى ما الخطب؟». «ليس تمامًا». تنهض أڤنى وتنتقل إلى المطبخ. تتبعها نازنين إلى الداخل. تخلع قميصها وتقف فوق الحوض بحمالة صدرها. تلاحظ أن چِل الغسيل ينفد. تقطر ما تبقى على الجزء العلوى وتفتح السخان، ثم الصنبور. تفرك الحوض. عندما تنحنى تشعر ببطنها ينحنى ويتمدد فوق حزامها. تقول نازنين: «لماذا لا تتصلين بها مرة أخرى؟». تجيب: «لا يمكننى أن أترك البقعة تتسع». تخلع نازنين شالها وتسدله على كتفى أڤنى. ثم تقول: «أريدك أن تعيدينى إلى الملجأ». تقول أڤنى وهى تسقط القميص: «ماذا، لماذا؟». «عليك استخدام چِل غسيل ماركة سيرف لهذا الغرض. لا تشغلى بالك». تتولى نازنين الأمر. تطفئ السخان وتحوّل الصنبور إلى أبرد درجة حرارة. تنقع البقعة. تمر بضع دقائق. تقول: «لا أعتقد أننى الأم المناسبة لكِ يا أڤنى». تضحك أڤنى، وتقول: «يا له من يوم سيئ!». تسحب الشال على جسدها وتغطى نفسها. تقول نازنين وهى تغلق الصنبور وتعصر القميص بقوة أمام جهاز تجفيف الملابس حتى يتساقط الماء الزائد: «أنا آسفة لإزعاجك، لكننى لا أعتقد أنك ستجدين ما تبحثين عنه فى أم جديدة». تقول أڤنى: «سأرتدى قميصًا». تعرف أن أهل الملجأ سئموا منها. يسألونها هذه المرة ما الخطب، ولماذا عادت، وهل تفهم أن التبنى التزام جاد مدى الحياة؟ تقول إنها آسفة جدًا لإزعاجهم وتترك نازنين تذهب. لا تحاول نازنين أن تعانقها. تأخذ يدها وتمسك بها فتشعر أڤنى بالدفء. تقول أڤنى: «لا بد أنك كنتِ أمًا جيدة». تبتسم نازنين: «تقولين ذلك لأنكِ لستِ ابنتى». فى البيت، تجد أڤنى قميصها الأبيض جافًا على الشرفة التى لم تستخدمها منذ أن رحلت الأم الرابعة. ناصع البياض، كأن البقعة لم تكن موجودة قط. كأن الشاى لم ينسكب عليه. بطريقة ما تعرف أنه كان بإمكانها أن تفعل ما فعلته نازنين بالضبط ومع ذلك جعلت كل شىء أسوأ. تحتاج إلى ما يشبه لمسة الأم. تأوى إلى الفراش بلا أكل، لا تستطيع النوم. تشعر بمعدتها كأنها عُصرت حتى جفت، ورأسها فى دورة غسيل فرك-دوب-دوب-دوب. تسحب ساقيها إلى صدرها. تشدُّ عضلاتها وتقبض عضلاتها وتتنفس، ثم تفكك عضلاتها وتزفر. تلتقط تليفونها وتتصل بأمها. تقول بمجرد أن تجيب: «لم أتصل بكِ لكى أتشاجر». «أعرف سبب اتصالك، يمكننى دومًا أن أعرف». تقول وهى تشعر بتحسن بالفعل: «آسفة». «ليس عليك الاعتذار، اتصلى بى فقط عندما تحتاجيننى». تغمض أڤنى عينيها وتقرر أن تقول شيئًا لئيمًا وصحيحًا مرة أخرى فقط: «حين أكلمكِ وأنا متألمة، تجعلين الأمر أفضل. وإذا كلمتكِ ولست متألمة، تجعلين الأمر أسوأ». تقول الأم وتزفر بصوت عالٍ: «طيب». «آسفة»، تكرر أڤنى. تخبرها الأنفاس على الطرف الآخر من الخط أن أمها لا تزال موجودة. تتخيلها، فى الفراش فى هذه الساعة، فى قميص نوم قطنى رقيق من التى تشتريها من محل «سيدة الحب» كل ربيع. أيًّا كانت الظروف، فهى تعرف أمها كما تعرفها أمها. تسأل الأم أخيرًا: «هل تريدين أن تسمعى عن يومى؟ هل تريديننى أن أغنى لك؟». تقول أڤنى وهى تريح رأسها. تفك ساقيها ببطء وينتظم تنفسها. تتمدد حتى يتمدد جسدها كله على الفراش: «نعم، من فضلك». تبدأ الأم فى الكلام والغناء.