ترجل حماس عن صهوة المقاومة خيار مر تواجه المرحلة الثانية من الهدنة بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية بقيادة حماس تحديات كثيرة، تزداد تعقيداً كلما اقتربنا من الانتهاء من عملية تبادل الأسرى. ورغم امتلاك الجانب الفلسطينى مقومات كثيرة للصمود والمواجهة، إلا إنه سوف يفتقد أخطر أسلحته، وهو وجود الأسرى، والذى يمثل السبب الأساسى فى قبول إسرائيل عمليات التفاوض غير المباشرة التى تقودها مصر وقطر. انتهاء تبادل الأسرى يقربنا من (اليوم التالى) مباشرة، سواء على الجانب الفلسطينى أو الإسرائيلى. ولا شك أن قراءة متأنية لحقيقة الأوضاع، وبعيداً عن التصريحات العنترية المتبادلة، قد تكون كافية للدلالة على ضرورة وجود موقف فلسطينى أكثر واقعية، وبما يحمله من جرأة وعدم وضع الرءوس فى الرمال. موقف يأخذ فى الاعتبار نقاط الضعف والقوة بين الجانبين. ولعل أولى هذه النقاط، هو فقدان حماس لكمٍّ هو الأكبر ،إن لم يكن هو الوحيد، بالنسبة للاسلحة، وأيضاً بالنسبة للمقاتلين. لقد فقدت حماس أعداداً كبيرة من الشهداء المقاومين، وكلهم أصحاب خبرة قوية فى القتال، ويتمتعون بالحنكة والذكاء، على عكس بعض الشباب الجدد الذين انضموا للمقاومة مؤخراً، والذين ظهروا بوضوح خلال مراسم تسليم الأسرى بين الجانبين، فى استعراض مدمر لكل الكيان الفلسطينى المقاوم. هنا يبرز سؤال هام، وهو وصف الاستعراض «بالمدمر»!! وللإجابة عن ذلك، تبرز حقيقة جانب السرية المطلقة فى تحركات كل قادة وأعضاء حماس داخل قطاع غزة، ومناطق صغيرة من الضفة. اعتمدت حماس على شبكة للأنفاق يرتادها مقاتلوها، وبعضها استخدم كمخازن لمعدات وسيارات بالإضافة للأسلحة. خلال مراحل تسليم الأسرى خرج الآلاف من أعضاء حماس من هذه الأنفاق، ومعهم أسلحتهم وبعض سيارات الدفع الرباعى، وتناسى كل قادة حماس أن هناك اقماراً صناعية، وطائرات تجسس مسيرة تقوم بتصوير كل شيء وبوضوح بالغ الدقة، وبحيث أصبح لدى إسرائيل خريطة كاملة لرجال وأسلحة حماس. اعتقد جازماً أنها سوف تستخدم فى حالة انتهاء أو كسر الهدنة، وهو احتمال قد يقترب من اليقين، وقد يحدث مباشرة عقب عودة آخر أسير إسرائيلى لدى حماس. «اليوم التالى»، مفهوم لا وجود له لدى الجانب الفلسطينى، ولن يكون «كالأمس»، فى ظل تناحر خفى وغياب كامل لوحدة الصف الفلسطينى، وأيضاً غياب قادة كبار اكتفوا بالإقامة بالخارج، وفى فنادق 7 نجوم يديرون منها حرباً لم تعد متكافئة، ولا يدفع ثمناً لها سوى الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطينى. لا شك أن مفهوم التهجير الذى تصدت له مصر جملة وتفصيلاً، يمثل محاولة للقفز على شرعية وجود الدولة الفلسطينية، وفى ظل تأييد أمريكى مطلق لإسرائيل، والتى أعطاها الرئيس ترامب كل صكوك الغفران لما قد تشهده المنطقة من استكمال لحرب الإبادة، التى راح ضحيتها ما يقرب من 100 ألف فلسطينى، و30 ألفاً من رجال حماس. إذن إسرائيل أكملت استعدادها لليوم التالى، دون وجود أى بارقة أمل فى وضوح هذا المفهوم لدى الجانب الفلسطينى. وعلى حين تسابق مصر الزمن لبلورة خطة عربية تكون مقبولة إقليمياً ودولياً لإعادة إعمار غزة، والدعوة لمؤتمر للمانحين لتجميع الأموال اللازمة لذلك، يعلو صوت الخلاف بين السلطة الفلسطينية وقادة المقاومة، وهو ما يعطى للجانب الإسرائيلى ذريعة لاستمرار الحرب. خيار ترجل حماس عن صهوة المقاومة خيار مر، ولكنه الوحيد الذى قد يحفظ ما تبقى من زخم للقضية الفلسطينية، بالإضافة لضرورة الإسراع بإجراء انتخابات تأخرت كثيراً عن موعدها بالنسبة للسلطة الفلسطينية. وقبل نفاد الأسرى!!