نستطيع نحن العرب أن نكون فاعلين، وأن نمتلك القدرة على حماية مصالحنا، وصياغة مستقبلنا، وألا نكون فى دائرة رد الفعل، أو فى موقع المفعول به، أو حتى المفعول فيه. إن التحدى، أى تحدٍ يتهدد إنساناً، أو مجتمعاً، أو دولة يستنفر بالضرورة استجابة توازيه، والعرب اليوم أمام تحدٍ وجودى، يتحدد فى ضوء نتائجه الإجابة على سؤال لا يمكن تأجيل التصدى للإجابة عنه: إنه سؤال مركب، معقد، مهما بدت بساطة الكلمات المستخدمة فى صياغته: أين نحن الآن؟ وإلى أين؟ ومن أين نبدأ؟ وإلى أين ننتهى؟. إنها لحظة الحقيقة، لحظة فاصلة مفصلية، لا تحتمل أو تتحمل إلا تعاطياً يرتفع إلى مستوى وحجم ما تمثله، بقدر تأثيره على دورنا كعرب فى المراحل القادمة. نعم نستطيع امتلاك إجابة محددة ودقيقة وحاسمة، إن نحن أردنا ذلك، أو بدقة امتلكنا إرادة الفعل وأدواته، وقبلها منهج صحيح لقراءة مفردات المشهد الراهن على المستويات المتعددة التى تشكله: وطنياً، قومياً، إقليمياً، دولياً. لا بديل إلا أن نستطيع مواجهة تحديات وتهديدات غير مسبوقة، لأن ما يحكمنا فى هذه اللحظة سؤال صعب أن نكون أو لا نكون؟. وحين تواجه الأمم الحية ذات التاريخ والحضارة تلك اللحظة، فلابد أن يكون رد فعلها، دون تردد أو تلعثم أو خوف: نعم نستطيع، اعتماداً على الذات قبل أى شيء آخر. الأمر دون شك يتجاوز تماماً ردود الفعل الحماسية التى تترجمها بيانات الشجب والاستنكار التى ألفناها واعتدناها إلى حد الإدمان!. من ثم التصدى للمواجهة يجب أن يكون وفق حسابات تتجنب الاندفاع، لكنها تحافظ على قوة الدفع فثمة حتمية لتقييم الموقف بقدره، ومن كافة جوانبه وأبعاده، حتى نترجم الاستطاعة إلى رؤية استراتيجية واضحة الأفق، محددة المعالم، لكنها فى ذات الوقت لا تقع فى أسر الشعارات البراقة، أو الأهداف شديدة العمومية، فتتوه معها الخطى، وتتشعب الطرق. إن اللحظة الراهنة تتطلب قياساً لا يبالغ ولا يهون من القدرات الذاتية العربية، وبالمقابل لا تبالغ فيما تمتلكه القوى الإقليمية والدولية من أوراق، فكما أن لنا مطالب مشروعة، فإن لهم مصالح حقيقية عندنا، ومن ثم فإن وجهاً من وجوه الاستطاعة يتمثل فى درجة المهارة التى نصيغ بها معادلة تضع فى حسبانها مراعاة مصالح الجميع، وقبل ذلك كله فإن استطاعة عربية لابد أن تنطلق على قاعدة توافق عربى حول مصالحنا العليا، بميزان دقيق بين الوطنى والقومى. تلك هى المسألة حتى نجسد استطاعتنا فعلاً وعملاً، لا حلماً وقولاً.