على مر العصور، لعبت المرأة المصرية دورًا محوريًا في نهضة المجتمع، وكان لبعضهن بصمات خالدة في مجالات التعليم والخدمة العامة. ومن بين هؤلاء الرائدات، تبرز سفينة دوس عبيد، التي لم تكتفِ بكونها من أسرة صعيدية ثرية، بل سخرت ثروتها في سبيل دعم تعليم الفتيات في وقت كانت فيه فرصهن محدودة. أسست أول مدرسة للبنات في قنا عام 1904، وخصصت لها خمسين فدانًا من أملاكها لضمان استمرارها، فكانت نموذجًا يحتذى به في نشر التعليم وتمكين المرأة. لا تزال المدرسة تحمل اسمها حتى اليوم، شاهدةً على إسهامها العظيم، كما سُمِّي شارعٌ في قنا باسمها تخليدًا لذكراها. span style="font-family:"Arial","sans-serif""اقرأ أيضًا| حكايات| «كوكب حفني ناصف» أول جراحة مصرية وتلميذة الدكتور نجيب باشا محفوظ span style="font-family:"Arial","sans-serif""اقرأ أيضًا| «السنية».. أول مدرسة حكومية مجانية لتعليم الفتيات بمصر ** نشأتها وانتماؤها العائلي وُلدت سفينة دوس عبيد في كنف واحدة من العائلات الثرية بمحافظة قنا، والتي اشتهرت بالمكانة الاجتماعية والنفوذ الاقتصادي. منذ صغرها، تميزت بوعيها المتقدم ورغبتها في ترك أثر إيجابي في مجتمعها، خاصةً فيما يتعلق بتعليم الفتيات، حيث كانت تدرك أهمية التعليم في الارتقاء بالمجتمع. في تلك الحقبة، كان تعليم الفتيات في الصعيد أمرًا نادرًا، حيث كانت العادات والتقاليد تُقيّد فرص المرأة في الحصول على التعليم، مقتصرةً على الطبقات الراقية، بينما كانت غالبية الفتيات محرومات من هذا الحق الأساسي. لكن سفينة، بحكم نشأتها الثرية ورؤيتها المتقدمة، قررت أن تُحدث تغييرًا جوهريًا في هذا الوضع. ** تأسيس أول مدرسة للبنات في قنا في عام 1904، خطت السيدة سفينة دوس عبيد خطوةً جريئة وغير مسبوقة في قنا، إذ شيَّدت مدرسة للبنات من مالها الخاص. كان تأسيس المدرسة بمثابة تحدٍّ للموروثات الاجتماعية التي كانت ترى أن الفتاة لا تحتاج إلى التعليم بقدر ما تحتاج إلى التدريب على الأعمال المنزلية. لم تكتفِ ببناء المدرسة فقط، بل خصَّصت خمسين فدانًا من أملاكها لضمان استمرارها، وهو ما كان يُعد عملًا غير مألوفٍ في ذلك الوقت. كان هذا الدعم المالي المستدام كفيلًا بأن تظل المدرسة قائمة ومزدهرة، مقدمةً التعليم للفتيات لسنواتٍ طويلة دون أن تتعرض لأزماتٍ مالية تعيق عملها. ** دور المدرسة وتأثيرها على المجتمع كانت المدرسة نقطة تحول في تعليم الفتيات في صعيد مصر، فقد فتحت أبوابها أمامهن، مانحةً إياهن فرصةً لم تكن متاحةً من قبل. ومن خلال هذه المبادرة، ساهمت سفينة دوس عبيد في تغيير النظرة المجتمعية تجاه تعليم المرأة، وشجعت الكثير من العائلات على إرسال بناتهن إلى المدرسة، إدراكًا لأهمية التعليم في بناء المستقبل. مع مرور الزمن، توسعت المدرسة وخرجت أجيالًا من الفتيات المتعلمات اللواتي أصبحن فيما بعد رائدات في مجالات مختلفة، سواء في التدريس، أو العمل الخيري، أو حتى في وظائف حكومية. وهكذا، لم يكن تأثير سفينة دوس عبيد مقتصرًا على بناء المدرسة فقط، بل امتد ليشمل إحداث تغيير جذري في حياة النساء في قنا ومحيطها. ** إرثها واستمرار اسمها لم تتوقف مساهمات سفينة دوس عبيد عند المدرسة، فقد كانت شخصية محبوبة بين الناس، وعُرفت بكرمها وحرصها على خدمة المجتمع. استمرت المدرسة التي أسستها في أداء رسالتها حتى يومنا هذا، حيث لا تزال تحمل اسمها، تخليدًا لذكراها وتقديرًا لدورها الريادي. بالإضافة إلى المدرسة، فإن اسم سفينة دوس عبيد لا يزال محفورًا في ذاكرة قنا، إذ يوجد شارع باسمها في المدينة، مما يعكس تقدير المجتمع لها واعترافه بدورها في تطوير التعليم وتمكين المرأة. ** وفاتها وإرثها الخالد في عام 1922، رحلت سفينة دوس عبيد عن عالمنا، لكنها تركت وراءها إرثًا لا يُمحى. فقد أثبتت أن التعليم هو السلاح الأقوى لنهضة المجتمعات، وساهمت في تغيير مسار حياة مئات الفتيات عبر توفير فرصة التعليم لهن في وقت كان فيه التعليم حكرًا على الذكور في معظم المناطق الريفية والصعيدية. لم يكن رحيلها نهايةً لقصة عطائها، بل كان بدايةً لإرث مستمر، حيث ظل اسمها خالدًا، ومدرستها قائمةً، وأثرها ممتدًا عبر الأجيال. قد لا تكون سفينة دوس عبيد اسمًا متداولًا على نطاق واسع، لكنها واحدة من النساء الرائدات في تاريخ مصر الحديث، اللواتي تركن بصمةً لا تُمحى في مجال التعليم وتمكين المرأة. جسّدت بفعلها الإيمان بقيمة التعليم، وأكدت أن المرأة يمكن أن تكون محركًا أساسيًا في نهضة المجتمع إذا ما أُتيحت لها الفرصة. إن قصة سفينة دوس عبيد ليست مجرد حكاية عن تأسيس مدرسة، بل نموذج يُحتذى به في العطاء والتضحية لأجل مستقبل أفضل، ودليل على أن الأثر الحقيقي للإنسان يُقاس بمدى ما يقدمه لمجتمعه من أعمالٍ تظل شاهدةً على اسمه حتى بعد رحيله.