النغمة الآسرة، والرنة الساحرة، والإيقاع الأخاذ، والهديل الذى يهدهد الروح، والصهيل الذى يهز المهج، ويروى الظمأ، وتلك التغريدة العذبة التى تتشبث بالأرواح قبل الآذان ،والأسماع، وذلك اللحن التياه الذى يتردد بين جنبات نفسك بإلحاح مبهم، ورغما عنك، شىء يشبه السحر، يستلبك مثل قسمات الحسناء التى تطاردك فى أحلامك وصحوك، جملة ما بالغة العذوبة.. عبارة دافئة.. نغمة منسابة فى رشاقة.. مطلع أغنية يتردد فى أسماعك فجأة، دون أن تستدعيه ذاكرتك، حالة تنتاب العاشقين المرهفين دائما.. مقطع من لحن شجى لبليغ حمدى ،جلجلة لصوت أم كلثوم ،أو رنة لصوت فيروز، ،بيت للمتنبى، أو للبحتري،أو لأبى نواس، أو لنزار قبانى، أو لفؤاد حداد ،أو لسيد حجاب ،أوللأبنودى، أو رباعية لصلاح جاهين.. الروح المرفرفة دوما، والتى سجنها جسد منهك، تكالبت عليه الهموم والأمراض، ثم انطلقت أخيرا منذ سنوات، وأخذت ترفرف فى الأفق، تحرس بصمات صاحبها المتعدد المواهب الرسام، وفنان «الكاريكاتير»، والممثل، ومبدع الأغنيات الوطنية ،وشاعر العامية الفذ ذى الدواوين الباقية ،وصاحب «الرباعيات» الخلابة التى ترتفع إلى مصاف «سونيتات» شكسبير.. شاعر الإنجليزية الأشهر و«رباعيات الخيام».. أسطورة الفارسية الأبرز، وقد بلغ «جاهين» برباعياته مكانة شاهقة فى صرح الإبداع الإنسانى، والمشهد الشعرى الكونى.. بعمق التناول .. واقتحام الأسئلة الكبرى دون هيبة، وفى بساطة عجيبة.. وكل ذلك بلغة حميمة سهلة، ولكنها موغلة فى الرقى، والبهاء، لذا لم أعد أعجب حين أجد إحداها تقفز فجأة إلى الذهن، أو تدوى أخرى بغتة فى مسامعى دون إرادة منى، وكثيرا ما ألحت «الرباعيات» على الضمير والوجدان بصورة تؤكد أنها مثل أبيات المتنبى، والبحترى، وسائر الساطعين فى أفقنا الشعرى تجرى فى دمى.