في أعماق دير المدينة، حيث عاش الحرفيون الذين شيدوا مقابر ملوك وادي الملوك، تم العثور على تمثال فريد للكاتب "رع مس"، المصنوع من الحجر الجيري، والذي يعود لعصر الأسرة التاسعة عشرة. يُعرض هذا التمثال حاليًا في متحف اللوفر بباريس، ويعد من القطع النادرة التي تحمل دلالات دينية وفنية مميزة، إذ يجسد صاحبه في وضع الركوع، حاملًا تمثالين لكل من الإله أوزيريس وشقيقته نبت حوت، في مشهد غير مألوف يكشف عن تفاصيل عقائدية قد تغير بعض المفاهيم السائدة حول الأساطير المصرية القديمة. تصوير غير تقليدي للعقيدة المصرية وما يجعل هذا التمثال فريدًا هو غياب الزوجة التقليدية للكاتب، حيث جرت العادة أن يظهر مع زوجته "إيزيس"، أو مع كلتا الإلهتين معًا. غير أن تصويره ممسكًا بتمثالين لأوزيريس ونبت حوت فقط يعزز نظرية زواج أوزيريس من نفتيس، وهو ما يدعم الروايات التي تشير إلى إنجابهما للإله أنوبيس، في مقابل الاعتقاد السائد بأن إيزيس كانت الزوجة الوحيدة لأوزيريس. هذه التفاصيل تفتح بابًا جديدًا لفهم التداخل في القصص الدينية المصرية القديمة، حيث كانت بعض الروايات تُحجب عن عامة الشعب، بينما تُحفظ في الدوائر الدينية الخاصة. الرموز المقدسة وأهميتها في التمثال ونجد على رأس نبت حوت علامة المعبد والسلة، وهو رمز يشير إلى اسمها المقدس، مما يعكس مكانتها الدينية. أما في الجزء السفلي من التمثال، فتظهر بوضوح تجسيدات الأبناء الأربعة لحورس: مستي، حابي، دوا موت إف، وقبح سنو إف، الذين لعبوا دورًا أساسيًا في حماية الأعضاء الداخلية للمتوفى أثناء عملية التحنيط. هذا التمثيل يعكس مدى ارتباط العقيدة الجنائزية بعقيدة البعث والحياة الأخرى، حيث كان الكاتب رع مس يسعى لضمان مكانة مقدسة في العالم الآخر عبر تمثيله بهذه الطريقة. القيمة الفنية والتاريخية للتمثال إلى جانب دلالاته العقائدية، يُظهر التمثال براعة النحاتين المصريين في دير المدينة، إذ يتجلى فيه دقة التفاصيل والنسب المتوازنة، التي تعكس المهارة الفائقة للحرفيين في نحت ملامح الوجه وتفاصيل الرموز المقدسة. كما أن اختيار الحجر الجيري، رغم كونه أقل صلابة من الجرانيت، ساهم في إبراز أدق التفاصيل، مما يجعل التمثال نموذجًا فريدًا يجمع بين الرمزية الدينية والفن الرفيع. ويُعد تمثال الكاتب "رع مس" من القطع الأثرية النادرة التي تروي قصة فريدة عن العقيدة المصرية القديمة، وتكشف عن احتمالات جديدة حول علاقة أوزيريس بنفتيس. من خلال هذا التمثال، لا نرى فقط تحفة فنية، بل وثيقة أثرية تفتح آفاقًا جديدة لفهم التصورات الدينية لدى المصريين القدماء، وتجعلنا نعيد النظر في بعض الأساطير التي طالما اعتبرناها مسلّمات تاريخية. اقرأ أيضًا | بالزي الفرعوني.. «ظواهر» تستقبل السائحين في معابد الكرنك ووادي الملوك