هل يمكن أن تستبدل الذكريات التى شكلت فكر ومشاعر إنسان بذكريات أخرى أكثر بهجة، وأقل إيلاما؟ وهل يتحول الإنسان فى حالة نجاح تلك الفرضية إلى إنسان آخر لا يشترك مع الأصلى إلا فى اسمه وملامح وجهه؟ هكذا نسجت الأديبة العراقية إنعام كجه جى خيوط روايتها الأحدث «صيف سويسرى». تلك الرواية التى تجمع بين الفانتازيا والواقعية الموجعة. الخيال والحقيقة المرة. الهروب من الاغتراب داخل الوطن إلى اغتراب خارجه. تأخذنا الكاتبة إلى بازل تلك المدينة السويسرية المشهورة بآثارها التاريخية، وأجوائها الطبيعية الساحرة. يسافر أربعة عراقيين بدعوة من مصحة علاجية سويسرية. الدعوة تغطى كل النفقات: تذاكر السفر، الإقامة، الانتقالات الداخلية، المصروف اليومى، والأهم من هذا كله مصروفات العلاج النفسى الذى تتم تجربته لأول مرة على مجموعة من البشر. حبتان برتقاليتان وواحدة صفراء كل يوم صباحا بعد الإفطار، ثم حبة خضراء بعد العشاء. «يبتلعون وهم راضون. لم يجبرهم أحد على المجىء إلى هنا. طرحت الفكرة ووافق عليها من وافق. وضعوا تواقيعهم على أوراق تفيد بأنهم فهموا المطلوب ويلتزمون بالتنفيذ. إجازة صيفية مغرية فى سويسرا. ضيافة كاملة ومصروف مُجزٍ للجيب». الأستاذ بلاسم هو المشرف على المجموعة القادمة من العراق، أطلقت عليه سندس ابنة بشيرة «أحد الأربعة»: حلّال العقد. امرأتان ورجلان، لاجئون قدامى ولاحقون جاءوا يطبقون برنامجا محددا. لم يكن دكتور بلاسم يستجوبهم فى جلسات العلاج الجماعى، لكنه يفتح لهم باب الكلام . ومع الجلسات سيكون هناك عقاقير موازية تشتغل على الدماغ وتساعد فى الانسلاخ. التحرر من عقائدهم القديمة. يؤكد لهم الدكتور المشرف على التجربة أن الذاكرة ليست دائمة، وأنها قابلة للتغيير. يمكن للعلماء الدخول فى الأدمغة والتلاعب بمحتوياتها. سيقومون بحذف الذكريات المؤلمة من الرءوس. خيال أصبح واقعا بفضل المسح العصبى الضوئى. تمر الأسابيع، وتتصاعد الأحداث، تتسلل مشاعر القلق إلى نفوس الأربعة، يخافون أن يمحو ذلك الدواء هويتهم، ومشاعرهم تجاه الوطن . صحيح أنهم جاءوا محملين بأوجاع وجراح من الصعب أن تنكأ. صحيح أن الأحزاب دمرت حياتهم، وحولتهم إلى حطام بشر، لكنهم لا يريدون الشفاء إذا كان ثمنه انتزاع الوطن من ذاكرتهم. يرمون بالحبوب فى نهر الراين فى مشهد مؤثر، يتمسكون بهويتهم مهما كان الوجع. يصاب الدكتور بلاسم بالإحباط لفشل التجربة، ويبدأ فى التشكك فى مصداقية شركات الأدوية، ومراكز الأبحاث الأوروبية الشهيرة التى توصلت إلى تلك العقاقير، وهدفها الظاهر: سعادة الإنسان عن طريق تغيير ذاكرته، وبناء ذاكرة جديدة.