- الرواية وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية - نصوص تعكس مشاعر صادقة بالحب والحياة.. ومزج للفانتازى بالواقعى عند رصد أحوال الوطن العربى «نصوص حميمية ومألوفة، بها قدر عالٍ من الواقعية التى ترصد ببراعة واقعنا العربى» هكذا أشار عديد النقاد والكتاب عن أحدث المجموعات القصصية للكاتبة إنعام كجه جى، والتى وصلت إلى القائمة الطويلة الخاصة ب «جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية». وظفت الكاتبة إنعام كجه جى ببراعة واضحة الفانتازيا فى مواجهة الواقع الذى تعاملت معه بأداة السخرية السوداء، مستخدمة فى ذلك مجموعة من التنويعات السردية التى أبقت على شغف القارئ لمواصلة الصفحة تلو الأخرى، وذلك رغم الجدية الشديدة التى تصبغ الفكرة المركزية للنص المتعلقة بالاضطراب العربى فى بداية التسعينيات، والتى شهدت غزو الولاياتالمتحدة للعراق، ما تبعه مجموعة من النقمات على الشعب العراقى الذى عانى التمزق والشتات بعدها. استخدمت كجه جى ملكاتها الإبداعية من أجل مواجهة الاستبداد والقهر كما ورد فى قصة «مسدس من ذهب»، كما تتوالى المفارقات والإسقاطات التى تم توظيفها بذكاء ضد الواقع المرير، كما فى قصة «صورة المرحوم» التى تتحدث عن قصة امرأة جزائرية تدعى «هوارية»، اختار لها اسمها عمها الذى كان مغرما بالرئيس الجزائرى الراحل هوارى بومدين، وتراوح الإيقاع فرحا وحزنا فى «الخوافات»؛ حيث الشجون المتدفقة التى امتزج فيها كل ما هو فانتازى أسطورى ورمزى مع الواقعى، أو فرحة النصرى فى قصة «عارية فى الوزيرية». وتعد اللغة أحد أهم أدوات القوة فى هذا العمل الروائى، الذى أكدت لجنة التحكيم الذى اختاراته لبلوغ القائمة الطويلة، أنه ضمن النصوص التى تمتعت بتماسك فى النص ووحدة فى الموضوع وقيمة سردية وقوة ابتكارية، ويظهر ذلك فى أحد اقتباسات المجموعة التى جاء فيها: «مرايانا شواهد من خشب وزجاج تعيش معنا، تأخذ منّا وتعطينا، وهى قد تتشكّل على صورتنا، تشهد صولاتنا وخيباتنا وتؤازرنا وتواسينا مثل رفيقة وفيّة». تمكنت الكاتبة إنعام كجى جى فى مجموعتها القصصية من ممازجة تيمات الحب والحياة والوطن ومصير البشر، والتى تشعرك على الدوام بأن كجه جى مسكونة دوما بالعراق، وأيا كانت ما تفيض به من إبداع فى أطر مختلفة، سواء بالرواية أو القصة القصيرة والعموم الصحفى، دوما ماتجد أحلام الوطن العربى وطموحاته ونكباته تنساب مابين سطور أعمالها عموما، وبلاد الطاخ طاخ خصوصا. ولا يمكن إغفال حرص الكاتبة على سريان حالة من التدفق للأفكار وطرحها بطريقة مميزة، تبرز التفاعل بين الشخصيات المرسومة بدقة متناهية، وهو ما بدا جليا فى قصص: «مرآة كرداسة» و«عهود وحدود»، و«بلاد الطاخ طاخ»، فى ظل وجود صوت أنثوى سيطر على الرواية، مع حبكة مميزة تناغمت فيها مجموعة من الصور والإسقاطات السياسية. وعند مطالعة أحدث المجموعات القصصية للكاتبة العراقية، والتى وصلت إلى القائمة الطويلة بجائزة الملتقى، يشعر القارئ بتراوح مذهل مابين سريالية تسيطر على النص، إلا أنها تتحدث بكل واقعية عما نعيشه فى الوطن العربى، فتمتزج الفانتازيا مع واقع أكثر غرابة، لذا فإنه ينطبق على تلك المجموعة القصصية ما صرحت به كجه جى: «بأن الواقع شديد الثراء بإمكانه أن يمد الكاتب بمادة كبيرة ولكن الواقع وحده أحيانا يبدو بليدا إذا لم نحلق بأنفسنا بعيدا عن حدود الجغرافيا والمكان والشخوص». وقد تحقق بالفعل ما ذهبت إليه كجه جى فى نصوصها، وهو ما نطالعه فيما كتبته: «نشف الدم فى عروقى يوم استدعيت لمقابلته، وقد كان أهون علىَّ أن أقف بين يدى خالقى يوم الحساب، مثقلا بعظيم ذنوبى وفوادح خطاياى، من أن أتواجه مع الرئيس. قال إنه قرأ قصيدة لى أعجبته، وكان يحفظ الأسطر الأربعة الأولى منها، عربدت عصافير البهجة فى صدرى لكنّنى سرعان ما انتظرت الكارثة». تدفعك كجه جى دفعا نحو معاداة واقع ينزف تحت وطأة آثار الظلم والحرب والشتات، وتستعين فى ذلك بتمكن واقتدار لغوى، لا ينقصه صدق المشاعر وغزارة المعرفة، فى مجموعة قصصية يغلب عليها استخدام ضمير المتكلم باستثناءات قليلة تستخدم فيها الراوية ضمير الغائب، مع بلوغ مساحة من الإبداع التى يتمكن فيها كاتب القصة القصيرة أن يكثف رواية كاملة فى هيئة قصة واحدة، مع حضور طاغى للأصل والبلد، وهو فى هذه الحالة «العراق» الذى تنشد الكاتبة استعادته من كبواته ونكباته إلى عزه ومجده مرة أخرى. مجموعة كجه جى المكونة من اثنتى عشرة قصة، رحلات يجتاحها الخيال الجامح، الذى ورغم بعض الجوانب المأسوية فى تناول الواقع، إلا أنها تتركك مع انطباعات حميمية وقصص مؤثرة، بأسلوب متقن ولغة رصينة وإن شابها بعض التعبيرات والمصطلحات الشائعة والمتجذرة لدى أهل العراق. يشار إلى أنه قد أعلنت جائزة «الملتقى» الخاصّة بالقصة القصيرة، والتى مقرّها الكويت، قائمتها الطويلة لدورتها الخامسة (2021 2022)، وضمّت هذه القائمة 10 مجموعات قصصية، 4 منها لكُتّابٍ من العراق، والباقى من كلٍّ من مصر والأردن وتونس والمغرب، وأوضحت لجنة التحكيم، فى بيانٍ، أنها بنت قرارها على مجموعة من المعايير، هى «جدّية الموضوع والتخيّلات والأفكار، وكيفية المعالجة السردية، وكذلك بناء الشخصيات والأحداث وحبكها؛ أى مجمل ما يؤلّف البنية السردية للقصة القصيرة، بالإضافة إلى «كفاءة الأسلوب، وسلامة اللغة، وإجادة الحوار، وبراعة السبك اللغوى الذى يصهر عناصر القصة فى خطاب متجانس ومتماسك». وقد لدت إنعام كجه جى فى بغداد عام 1952 وفى جامعتها درست الصحافة، عملت فى الصحافة والإذاعة العراقية قبل انتقالها إلى باريس لتكمل أطروحة الدكتوراه فى جامعة السوربون، تشتغل حاليًا مراسلة فى باريس لجريدة «الشرق الأوسط» فى لندن ومجلة «كل الأسرة» فى الشارقة والإمارات العربية المتحدة، ونشرت إنعام كجه جى كتابًا فى السيرة بعنوان «لورنا» عن المراسلة البريطانية لورنا هيلز التى كانت متزوجة من النحات والرسام العراقى الرائد جواد سليم. كما نشرت كتابًا بالفرنسية عن الأدب الذى كتبته العراقيات فى سنوات المحنة والحروب، فى عام 2004 أعدت وأخرجت فيلمًا وثائقيًا عن الدكتورة نزيهة الدليمى، أول امرأة أصبحت وزيرة فى بلد عربى، عام 1959.