تعددت القمم منذ تأسيس الجامعة العربية فى أربعينيات القرن الماضى لمواجهة التحديات المختلفة وبعضها مصيرى ولكن قمة القاهرة الطارئة فى السابع والعشرين من هذا الشهر ستكون استثنائية بحجم الملف الوحيد على جدول أعمال القادة العرب وعنوانه (التوصل الى موقف موحد من رفض تهجير الشعب الفلسطيني) خاصة أن الأمر يمثل خطرا وجوديا على كل المنطقة وفى مقدمتها تصفية القضية الفلسطينية وتهديد امن واستقرار المنطقة خاصة بعد طرح الرئيس الأمريكى رونالد ترامب المفاجئ لمشروعه بتهجير سكان قطاع غزة الذى قدمه 25 يناير الماضى أى بعد خمسة أيام من دخوله البيت الأبيض والذى كرره بصورة مختلفة خلال الفترة الماضية، وقد تعاملت الدول العربية بجدية شديدة مع هذا المقترح حيث بدأت مشاورات مكثفة بين عدد من العواصم العربية تقودها القاهرة واثمرت عقد اجتماع سداسى فى أول فبراير الحالى بمشاركة وزراء خارجية مصر والأردن والسعودية والامارات وقطر وحسين الشيخ أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والأمين العام للجامعة العربية السيد أحمد أبو الغيط الذى أشار فى بيانه فى البند الخامس الى الاستمرار فى الدعم الكامل لصمود الشعب الفلسطينى على ارضه وتمسكه بحقوقه المشروعة وتأكيد رفض المساس بهذه الحقوق سواء من خلال الأنشطة الاستيطانية او ضم الأراضى أو إخلائها من خلال تهجير سكانها أو تشجيع نقلهم أو اقتلاعهم من أرضهم بأى صورة من الصور أو تحت أى ظروف ومبررات بما يهدد الاستقرار وينذر بمزيد من امتداد الصراع الى المنطقة ويقوض فرص السلام والتعايش بين شعوبها. اقرأ أيضًا | أوكرانيا... اتفاق على وقف الحرب وخلافات حول التفاصيل وكان الاجتماع السداسى نقطة الانطلاق للتفكير فى عقد قمة عربية تستضيفها القاهرة، وبدأ العمل على مسارين: الأول: البناء على تصريح مبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف الذى طلب من مصر والأردن بديلا لرفضهما لمقترح ترامب بالتهجير فقد بدأت الدول الست فى صياغة رسالة باسم الدول الخمس تم تسليمها من سفرائهم الى وزارة الخارجية الامريكية فى واشنطن خلال لقائهم مع مساعد وزير الخارجية الأمريكى المكلف بشئون الشرق الأدنى تيموثى ليندركينج وتضمنت تطلعهم للعمل مع الإدارة الجديدة لدعم السلام والاستقرار فى الشرق الأوسط واستئناف الجهود الرامية للتوصل الى حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية وفقا لقرارات الشرعية الدولية واعلنوا رفضهم خطط تهجير سكان غزة، كما تضمنت الرسالة أيضا أن هناك توافقا بينهم على أن مصر هى من تقوم بالإشراف على إعادة اعمار غزة مع الإبقاء على سكانها وتوفير ظروف حياة كريمة لهم مع مراعاة أى هواجس ومخاوف لأمريكا وتل أبيب. الثانى: سرعة العمل على عقد قمة عربية طارئة تستضيفها القاهرة والتى قادت التشاور بشأنها عبر مارثون من الاتصالات السياسية قام بها الوزير بدر عبد العاطى مع عدد من نظرائه فى السعودية والامارات والكويت وسلطنة عمان والأردن والعراق والجزائر وتونس وموريتانيا والسودان وكذلك مع البحرين باعتبارها رئيسة القمة فى دورتها الحالية، وفى هذا الاطار جرى اجتماع بين بدر عبد العاطى مع نظيره البحرينى عبد اللطيف الزيانى الخميس الماضى فى باريس على هامش مشاركتهما فى مؤتمر دعم سوريا بحثا ترتيبات القمة الطارئة فى القاهرة واستهدفت هذه الاتصالات التشاور بشأن ملفها الوحيد وكيفية التعامل مع الازمة وتم الاتفاق على ان المطلوب من القمة التأكيد على ثوابت الموقف العربى إزاء القضية الفلسطينية الرافض لأى اجراءات تستهدف تهجير الشعب الفلسطينى من ارضه أو تشجيع نقله الى دول أخرى وما تمثله هذه التصورات والأفكار من انتهاك صارخ للقانون الدولى وتعدٍ على الحقوق الفلسطينية وتهديد للأمن والاستقرار فى المنطقة وتقويض فرص السلام والتعايش بين شعوبها مع مراعاة الحرص على عدم الدخول فى مواجهة مع أمريكا والتى لا يرغب فيها احد بل هناك حرص عربى على قيام واشنطن بدور فعال فى ملف عملية السلام بل تعزيز التنسيق والتعاون العربى الدولى لممارسة ضغوط على واشنطن لتعديل مواقفها.. وبالتوازى مع ذلك تعزيز صمود الشعب الفلسطينى بتكثيف المساعدات وإعادة الاعمار وأيضا التواصل مع منظمات المجتمع الدولى اعتمادا على موقف الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو جوتيريش باعتبار ان التهجير هو فصل عنصرى. ونستطيع ان نؤكد انه جرى تشاور واسع حول تحديد موعد القمة وكانت هناك مناقشات حول تيارين: الأول: توجه يدعو لسرعة انعقادها خاصة مع إصرار الرئيس ترامب على مخططه والذى عبر عنه فى مناسبات عديدة وضرورة اظهار رفض عربى على اعلى مستوى من القادة من خلال القمة لتلك المخططات. الثانى: ان تحديد موعد 27 من هذا الشهر يتيح فرصة لمزيد من التشاور خاصة مع تتابع الإعلان عن عدد من التطورات المهمة خلال الأيام القادمة منذ الإعلان عن موعد القمة فى الخامس من هذا الشهر وهى عديدة ومنها احتمالات عقد قمة خماسية تضم مصر والسعودية والامارات وقطر والامارات قد تكون فى العشرين من هذا الشهر وقد يحضرها ترامب اثناء جولته فى المنطقة والتى سيزور خلالها الرياض وتل ابيب وكذلك جولة وزير الخارجية الأمريكى ماركو روبيور فى المنطقة التى بدأت امس وتستمر ثلاثة أيام وتشمل إسرائيل والسعودية وقطر والامارات وقد يزور رام الله، يضاف الى ذلك الزيارة التى قام بها وزير الخارجية بدر عبد العاطى الى واشنطن وكذلك الإعلان عن عقد اجتماع وزارى طارئ لوزراء منظمة التعاون الإسلامى بعد القمة 27 فبراير الحالى بعد القمة الطارئة وقد يمهد لقمة عربية إسلامية مع عقد الدورة الوزارية العادية لوزراء الخارجية العرب فى 24 و25 من هذا الشهر على أن يسبقه اجتماع المندوبين مع إعطاء فرصة لانتهاء مصر من وضع اللمسات الأخيرة لخطتها الخاصة بإعادة اعمار قطاع غزة والتى تتضمن نقل سكان القطاع لمناطق امنة داخله لستة أشهر ورفع الركام خلال نفس المدة الاستعانة بالعديد من الشركات للمساهمة فى الإعمار مع بدء إنشاء وحدات سكنية خلال عام ونصف مع تشكيل لجنة من التكنوقراط لإدارة القطاع مع تكليف قوات أمنية فلسطينية تم تدريبها فى دول عربية بمهمة حفظ الامن مع توفير تمويل ضخم لإعادة إعمار القطاع التى ستسمر من 3- 5 سنوات والبداية من رفح وجنوب القطاع وينتهى بشمال القطاع. وبعد فإن قمة القاهرة قد تكون الثالثة بعد السابع من أكتوبر 2023 وهما قمتا الرياضوجدة اللتان استضافتهما السعودية ولكنها قد تكون الأهم خاصة فى ظل التطورات الأخيرة فى المنطقة العربية والخطر الوجودى الذى تتعرض له والأمل كبير فى نجاحها حيث نجح ترامب دون إرادة منه توحيد الصف العربى.